-A +A
حمود أبو طالب
بودي أن يشاركني القراء الأعزاء تأمل هذه الحكاية: قام موظف حكومي فاسد باختلاس مبلغ من المال العام، وليكن مليون ريال على سبيل المثال، ثم بدأ في استثمار المبلغ ليصبح بعد فترة عشرة ملايين. وفي يوم ما وبمحض الصدفة تم اكتشاف هذه الفعلة وخضع الموظف للتحقيق وثبتت إدانته، ليصدر عليه حكم باسترداد المليون الذي اختلسه، وفصله من عمله بعد سجنه لبضعة أشهر، ثم يخرج من السجن ليستمتع بالملايين التسعة التي بقيت له ويستمر في استثمارها، وقد نسمع عنه بعد فترة كأحد الوجهاء ورجال الأعمال الذين يشار إليهم في المجتمع.

أليس هذا السيناريو مغرياً لأي مسؤول في داخله بذرة الفساد، وأليس النظام المتسامح محفزاً له على الاختلاس بطمأنينة وثقة. ولطالما تساءلنا عن مثل هذا التساهل النظامي مع لصوص المال العام وكأن النظام يحقق لهم أحلامهم، فما المانع لدى الفاسد من تحمل عقوبة قصيرة ورد المبلغ المختلس في سبيل تحقيق الثراء المستقبلي والوجاهة والراحة.


لكن يبدو أن الحال سيتغير، فقد نشرت «عكاظ» يوم أمس أن مجلس الشورى وافق على تعديل المادة العاشرة من مشروع النظام الجزائي للاعتداء على المال العام لتكون بعد تعديلها بالصيغة التالية: «يحكم على من تثبت إدانته برد المال محل الجريمة أو رد قيمته، وأي مكسب ترتب من ذلك المال». بهذا التعديل وبهذه الصيغة لو تم تطبيقها ستتحقق العدالة والعقوبة الرادعة، وبما أننا قد شرعنا في مكافحة الفساد والفاسدين دون استثناء، وبدأنا بالرؤوس الكبيرة، فإننا لو فتحنا ملفات الفاسدين الأصغر وحاسبناهم بأثر رجعي وحصرنا المكاسب التي جنوها من أصول المبالغ المختلسة لأمكننا استرداد مبالغ ضخمة وعقاب المختلسين عقاباً عادلاً ورادعاً لغيرهم.

* كاتب سعودي

habutalib@hotmail.com