-A +A
بدر بن سعود
سأنفض شيئاً من الغبار عن قضية شغلت وأشغلت وتجاوز عمرها الشهر على وجه التقريب، وهذه المدة طويلة جداً في العرف الصحافي وبمفهوم الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي، ولكني رغبت في بعثها من مرقدها لأهميتها، والمقصود هو الحريق الذي وقع في محطة قطار الحرمين بالسليمانية جنوب مدينة جدة، وكان وقوعه في ظهيرة صيفية ساخنة يوم الأحد 29 سبتمبر 2019، وهذه المحطة كلفت الدولة 2 مليار و900 مليون ريال سعودي، وبدأت رحلات القطار قبل سنة من الحادثة ثم توقفت بسببها، والمحطة المحترقة واحدة من خمس محطات على طول طريق قطار الحرمين، هذا القطار الذي يربط المدينة المنورة بمكة المكرمة ويستوعب 60 مليون راكب في السنة، وقد تصل أرباحه التقريبية عند اكتماله بعد فتح محطة قطار مطار الملك عبدالعزيز إلى 10 ملايين ريال كل يوم و300 مليون ريال كل شهرو3 مليارات و600 مليون ريال كل سنة، في أقل تقدير، ومحطة المطار كانت ستفتتح في أكتوبر 2019 وتأجل افتتاحها بسبب الحريق.

الحريق استمر مشتعلاً لفترة تجاوزت 20 ساعة، قبل أن ينجح تدخل الجهات المعنية في السيطرة عليه، ومقام الإمارة فتح تحقيقـاً لا يزال قائماً وكل المهتمين ينتظرون نتائجه، مع ملاحظة أن هناك نظاماً آلياً متطوراً لمكافحة الحرائق داخل المحطة، ومعه كاميرات أمنية (CCTV) لمراقبة المكان وتأمينه، بحسب التصريحات، والدكتور بشار المالك، الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) قال في مقابلة مع «قناة العربية» أدارها الإعلامي خالد مدخلي، إن الحريق بسيط والتلفيات محدودة، في إشارة ربما إلى أن المحطة لم تتأثر وأنها ستعود إلى العمل خلال فترة قصيرة، ورغم أن ما ذكره لا ينسجم مع ما يمكن توقعه من تلفيات لحريق استمر نشطاً لمدة يوم إلا أربع ساعات، ومع ما يتردد بين بعض موظفي المحطة من أن نظام مكافحة الحريق كان معطلاً أو أنه لم يعمل أثناء الحريق، وبالتأكيد ما قاله المدير التنفيذي يختلف عن ما يقوله الموظفون بنظام العقود لحساب الشركة المشغلة، وتوجد وجهة نظر تحمل جزءاً من المسؤولية لشركة «فوستر وشركاؤه» أو بيت الخبرة المعني بتصميم المحطة، لأنه اختار مادة «الكلايدينج» القابلة للاشتعال في التصميم، ولم يستخدم الخرسانة المسلحة بألياف زجاجية خفيفة مقاومة للحريق والحرارة المرتفعة، وفريق ثالث يعتقد أن المتضررين من عمل قطار الحرمين وهم في هذه الحالة: ملاك خطوط الطيران وأصحاب المحال المنتشرة على الطرق البرية السريعة والقائمون على حملات الحج والعمرة، كانوا طرفاً في ما حدث، وكل يقدم براهين تؤيد رأيه.


في الحقيقة كل ما قيل يقبل الأخذ والرد، ولعل الثابت الوحيد هو أن خلية الأزمة التي عملت على إدارة حريق المحطة، لم تخرج عن دائرة رد الفعل، وأن التخطيط والأخذ بأسلوب المبادرة غاب أو غيب، والمفروض أن اختبار إجراءات الأمن والسلامة والتأكد من جاهزيتها أولوية قبل التشغيل، وأتصور أن رجال الدفاع المدني قاموا بدورهم كاملاً في هذا الجانب، فهم دقيقون، ويبقى أن الشركة المشغلة لم تحرص بعد التشغيل على فحص تجهيزاتها والتأكد من سلامتها بمعرفة المختصين لديها، والأصعب أن خطة الإخلاء لم تكن حاضرة ولم يتدرب عليها أحد والدليل إصابة خمسة أشخاص.

ما نحتاجه لمواجهة أزمات من نوع حريق المحطة، هو نظرية تحفيز اجتماعية على طريقة سنغافورة ونظريتها الاقتصادية، وإدارة مفاهيم تجعل الإتقان والكفاءة مطمحاً لكل سعودي، وممارسة تكرس الجودة كمواصفة قياسية في مشاريع المستقبل، وتفكير إبداعي واستباقي يعمل على سيناريوهات تستوعب معظم التهديدات الممكن حدوثها، ويضع الخطط والحلول المناسبة للتعامل معها، وبأسلوب الفرضيات المجدولة والمفاجئة.

يجوز أن ثقافة النفط أثرت على أخلاقيات العمل في مرحلة ما قبل رؤية 2030، ولكنها بوجود الرؤية وبإرادة الشباب قادرة على اجتراح المستحيل، وقطار الحرمين ثروة اقتصادية ووطنية مهمة، ومكان لتأهيل وتوظيف الشباب لا يمكن التفريط فيه، وتوقفه يرتب خسارة بالملايين كل يوم، ويزيد في أرقام البطالة، ولا بد من وقفة مراجعة ومعالجة تستلهم همة ونشاط عراب الرؤية.