-A +A
علي فايع
لم تعد الكتابة النقدية اليوم ذات أثر كبير على النصوص الإبداعية، سواء أكانت تلك النصوص شعرية أو قصصية أو حتى روائية؛ لأنّ الكتابة في ذاتها لم تعد تميل إلى النصّ باعتباره حالة متفردة في الكتابة، ولكنها في الغالب تميل إلى الكاتب بوصفه صديقاً أو منتجاً معروفاً أو متواصلاً مع الناقد بشكل عاطفي أو فكري.

هكذا أقرأ المشهد الثقافي لدينا اليوم بعد متابعتي للعديد من القراءات النقدية التي تنشر هنا وهناك، في مقابل غياب النقد عن نصوص وأعمال أدبية جيدة يكتبها مبدعون آخرون، ولكنّ أدوات الناقد لا تتابعها ولا تلاحقها ربما لعدم المعرفة بها أو لأنّ المبدع لا يملك الوسيلة المناسبة للتواصل مع الناقد إما بالإهداء أو المتابعة أو التحريض على الكتابة بالطلب.


إنّ من أهمّ الأسباب لغياب النقد الأدبي أنّ النص لم يعد سيد الموقف (كما رأيت)، ولم يعد همّ الناقد قراءة المختلف والمميّز، إذ بات بعض النقاد اليوم يجهدون أنفسهم، ويُعملون أدواتهم النقدية من أجل حضور الذات أولاً، وليس من أجل النصّ المختلف الذي كانت وظيفته تقديم الناقد والمبدع في وقتٍ واحدٍ، فقد بات الناقد اليوم معنياً باسم الكاتب أكثر من عنايته بنصّه؛ لأنّ الناقد (كما أرى) يعتمد على المبدع في تقديمه باعتباره الوسيلة الأكثر قدرة على إبراز الناقد وإشهاره بعد فقدان النقد الأدبي وهجه وانتشاره وحضوره.

لم يعد غريباً اليوم أن تقرأ لناقد أدبيّ كبير كان اسمه كافياً لتسويق المبدع ونصّه قراءات نقدية هزيلة لنصوص أدبية باردة لا روح فيها ولا إبداع، فلم تعد الكتابة النقدية تلفت الانتباه أو تتابع بشكل جديّ، فما يحدث في المشهد الثقافي بشكل عام بات غريباً، فلا النصوص التي يكتب عنها النقاد جيدة ولا الكتابة النقدية في ذاتها كاشفة لمواطن الجمال والخلل، بعد أن تغلبت العلاقات الإنسانية والتعاطف الأيديولوجي والوعاء الفكري الجامع (الذي يمكنه التعاطف مع نصّ هزيل من أجل فكرة جامعة وليس من أجل نصّ إبداعي مختلف ومتين) على الكتابة النقدية التي تخلو في الغالب من روح الناقد واختلاف المبدع وتميزه.

لم تعد الساحة الثقافية اليوم تستنكر على ناقد كبير (على سبيل المثال لا الحصر) كتابته مقالات نقدية مطولة في العديد من الصحف اليومية والملاحق الثقافية عن نصوص أدبية هزيلة يصفّ فيها الكلام، ويزوّق الألفاظ، ويقحم المصطلحات، ويختلق الأجواء لنصّ شعري بارد أو قصصي هزيل، من أجل أن يقول للناس إنه مازال موجوداً، وهذا دليل على أنّ الناقد بات فاقداً للعديد من الميزات التي كان فيها سيد الموقف وسيد المشهد.

وعليه، أفلا يحق لنا اليوم بعد كلّ هذا الانحدار النقدي أن ندفن النقد ونقرأ الفاتحة على النقاد؟!