-A +A
عبده خال
عشت حياتي العملية وقبلها التعليمية وسط مغالطات عما يقال في التعليم من تطوير أو تطور، فمنذ دراستي في مراحل التعليم العام والجامعي، ونحن نخضع للتجارب يتم إدخالنا إلى معمل التجريب لسنوات حتى إذا فشلت التجربة تم اقتراح تجربة جديدة، فيتم زجنا بتجربة أخرى..

وفي تعليمي الجامعي درست في قسم العلوم السياسية؛ ولأن خريجي هذا القسم لم يكن لهم سوق وظيفية (إذ كان توظيفهم في وزارة الخارجية يعد من المستحيلات)، ولأن التعليم كان يمثل الحاوية الضخمة التي تقبل كل التخصصات تم ترحيل الكثير منها إلى التعليم، وكان هذا من الأضرار التي لحقت العملية التعليمية، إذ أُلحق مَن لم يكن يوماً يحلم بالتدريس بالعملية التعليمية المتنقلة من تطوير الى آخر، وفشل في عمليات عدة من التطوير.


كنتُ على رأس العمل عندما تم إقرار (التقويم المستمر) وأثناء العمل والمباشرة الفعلية مع الطلاب، كانت النتائج مخيبة للآمال، وقد كتبتُ حينها أن (التقويم المستمر) نتاج ثقافة تعليمية وصلت إليه بالتدرج، بينما تطبيقه في مدارسنا غير المهيأة لذلك (سواء الطالب أو المدرس أو الفصل أو الكتب) لا يتناسب مع وضعيتنا، وأن إقرار التقويم المستمر لن يحقق الأهداف الحقيقية لتطوير العملية التعليمية.. كتبتُ وتحدثتُ مع مشرفين ومسؤولين ووزراء، وكان أي رأي يصدر من المدرس ضد التقويم المستمر يحمل على ضعف المعلم وعدم امتلاكه روح التطوير...

وأمام عيني (وغصباً عني وعن أهلي) كنت أرى تمرير جيل وراء جيل بالأدواء نفسها ، حيث ينتقل الطالب في مراحل التعليم العام وهو لا يجيد الكتابة ولا القراءة حتى إذا وصل إلى التعليم الجامعي لم يكن قادراً على الكتابة أو القراءة السليمة.. إحدى وعشرون سنة وأنا أرى طلاباً يرصون كعلب (الصلصة)..

الآن وبعد (فرم) أجيال عديدة بتطبيق التقويم المستمر أفاقت الوزارة ورأت أن المنتج التعليمي الهزيل يستوجب تدارك القادمين وانتشال الطلاب من رداءة مستوياتهم التعليمية الهزيلة، إذ أقرت عودة الاختبارات التحريرية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة.

واعتبر مدير إدارة التقويم بوزارة التعليم أن القرار ليس وليد العصر، حيث إن لائحة تقويم الطالب تراجع كل 4 سنوات... وإذا كانت الوزارة تراجع اللائحة كل 4 سنوات ولم تكتشف الضعف المريع لدى الطلاب فهذا يؤكد أنها كانت لا تعمل بجد وترى الخطأ وتعبره، ولو كانت المراجعة حقيقية لعرفت اللجنة من الدورة الأولى أن مخرجات التقويم المستمر أظهرت فشلاً في التطبيق في مدارسنا.

المهم أن الوزارة كل يوم وهي في تطوير وبعد سنوات تكتشف أن تطويرها كان في الطريق الخطأ، فكم من جيل تم التعلم على حلاقة رؤوسهم؟