-A +A
علي بن محمد الرباعي
يصف الصحويون مناوئيهم بالانتقائية، ويغفلون عن تلاعب الصحوة بالنصوص، ولوي عنق الأدلة لخدمات أجندات الأحزاب والجماعات التي لا شرعية تاريخية لها ولا قبولاً اجتماعياً، كونها تقوم على التدليس والبحث عن مغانم سياسية، وتسلطية باسم النص المقدّس.

من أعظم جنايات الصحوة (تعطيل) مجتمع الإنتاج، من خلال تعطيل نصفه الفاعل. كُنا قبل السبعينات مجتمعات رعوية وفلاحية وصناعية وتجارية، وكانت المرأة الركن الركين للقيام على ثقافة الإنتاج. ومع الإنتاج تنمو الفنون، كانت القُرى والهجر تزرع وترعى وتصلي وترقص، في صورة بانورامية وعفوية.


كان المجتمع يُغنّي «البنّاء فوق الجدار، وحامل الحصى إليه، والمزارع في الحقل، والراعي مع أغنامه، والسيدات على المغزل»، الكل يغني، وأحياناً يتغزّل البعض، وبرغم الفاقة، وقلة ذات اليد، إلا أن السماء تمطر، والأرض تزهر، فجاءت الصحوة فنشفت العقول ويبست الحقول.

الفرح والترفيه فطري في الإنسان، والتوجيهات النبوية نصت على «ترويح القلوب» حتى لا تكل، وتعمى. والفن ليس عبثياً، والطرب ليس ترفاً بل هو ضرورة في ظل إجهاد العقل والجسد بالعمل، ولكي تبرر الصحوة تحريم الفنون بدأت بتهميش دور المرأة، وحارب المتزمتون تعليمها وتوظيفها مثلما حاربوا حقها في اختيار شريك حياتها.

الفن والطرب والغناء يسد حاجة لا تقل أهمية عن الحاجة للماء والغذاء، ولا أبالغ إن قلت إن معظم الحالات النفسية نجمت عن تكبيل المجتمع بالتابوهات والتحذيرات ليُمرض (الصحوي) المجتمع من جهة ويسترزق بالرُقى من جهة مقابلة، ولم يفطنوا أنهم سبب الداء قبل أن ينجحوا في توفير الدواء.

لم يكن الترفيه يوماً مقنناً، بل الأصل فيه الإباحة، وهو من العادات والموروثات، وما رَقْصُ الأحباش في مسجده عليه الصلاة والسلام بكل صخب الطبول الأفريقية، والزي المتقشف، إلا دليل سعة في هذا الأمر الذي تطور بتطور الأزمنة والأمكنة والصناعات والناس. والمزايدة مرفوضة كما في حديث «أما أني أخشاكم لله وأتقاكم له».

من يتابع ترفيه الصحويين يجده محصوراً في الرمي بالأسلحة النارية، من باب إعداد العدة، أو الاستخفاف بالمجتمع من خلال فعاليات مشوهة مستوحاة من الأفلام الكرتونية، ومنها مقاطع على اليوتيوب يحزن الإنسان بسبب تحول بعض ذوي (الوقار) إلى (أراجوزات) نطنطة وحفاش ثياب وتقليد ديكة ودبكات على التكبيرات.