سامي الدروبي
سامي الدروبي




ليو تولستوي
ليو تولستوي




ألكسندر بوشكين
ألكسندر بوشكين
-A +A
علي الرباعي (الباحة) rabai4444@
لم تقف المسافات البعيدة بين روسيا والمملكة حائلاً دون وصول الإبداع السوفيتي إلى النخب السعودية، ويؤكد مثقفون سعوديون الدور الكبير للمترجم السوري سامي الدروبي الذي عمل دبلوماسياً ومترجماً، ومن خلال ترجماته تعرفوا على ملامح المجتمع الروسي عبر أعمال أدبية خالدة منها «وقائع مدينة ترافنك» و«جسر على نهر درينا» لإيفو آندريتش، و«بطل من هذا الزمان»، لميخائيل ليرمنتوف، و«لحن كرويتزر» و«الحرب والسلم» لليو تولستوي، والأعمال الأدبية الكاملة لدوستويفسكي،وأبرزها «الجريمة والعقاب» و«ابنة الضابط» للشاعر الكسندر بوشكين.

ويعود أول تواصل موثق بين الروس والعرب إلى العام 921، من خلال رحلة الرحالة العربي «ابن فضلان» الذي عرّف بها وكتب عنها وصفاً للحياة في أرض لم يعرفها العرب إلا بالمخيلة البعيدة عن الموضوعية والحقيقة، وفتح ابن فضلان نافذة أولى لجغرافية الدفء والشمس على تاريخ الثلج والجليد. وتؤكد الكاتبة الدكتورة مكارم الغمري في كتابها «مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي» أن بداية الاحتكاك الروسي بالثقافة العربية في عهد بطرس الأول «العظيم» وتحديداً أوائل القرن الثامن عشر، إذ تأسست أول مطبعة بالحروف العربية على يد «أنتيوخ كانتمير» (1708-1744) وفي تلك الفترة أخذت ترجمة القرآن إلى الروسيّة مكانتها في الأوساط الثقافية الروسيّة وبدأت معها موجة التأثر الروسي المباشر بالثقافة الإسلامية.


ويؤكد الباحثون أن أول ترجمة للقرآن ظهرت في العام 1716 في عهد بطرس الأول وترجمها «بطرس بوسنيكوف» نقلاً عن الترجمة الفرنسية التي صدرت العام 1647. وبرغم ظهور ترجمات أخرى وفي فترات زمنية متقاربة، إلا أنَّ أول ترجمة أكاديمية علمية للقرآن من العربية إلى الروسية مباشرة قدّمها المستشرق الرّوسي «إغناطيوس كراتشكوفسكي» (1883-1951) التي لم تنشر إلا بعد وفاته وتحديداً العام 1963.

ويعد أمير الشعراء الروس ألكسندر بوشكين (1799-1837) من أبرز المتأثرين عميقاً بالثقافتين العربية والإسلامية وتحديداً القرآن الكريم وجاءت قصيدتاه «محاكاة القرآن» 1824 و«الرسول» 1826 ترجمةً صادقة لاهتمامه بكل ما يختص بالشرق، كونه قرأ ليالي ألف ليلة وليلة.

وكشف الأديب السّوري مالك صقّور في كتابه «بوشكين والقرآن» رسالة بوشكين إلى صديقه الأمير «فياز مسكي»، منها: «مقترحاتُك بما يتعلّق بمرثياتي، أمر لا يتحقق، وبالمناسبة كنت مضطراً للهروب من مكة إلى المدينة، وقرآني تخاطفته الأيدي»، فيستحضر بوشكين هجرة النبي محمد عليه السلام، وفي «محاكاة القرآن» يقدِم بوشكين تسع قصائد استلهمها من القرآن مباشرةً، منها القصيدة الخامسة من سورة لقمان والسادسة من سورة الفتح والتاسعة من سورة البقرة، وفي القصيدة الثانية أعلى بوشكين من قيمة العفة وحشمة المرأة في القرآن، مستنداً إلى سورة الأحزاب.

ولم يخف الشاعر «ميخائيل ليرمونتوف 1814-1841» ثاني أعظم الشعراء الروس تأثّره بالإسلام ورسوله من خلال اتّصاله بالمسلمين في القوقاز إذ كان يرتحل إلى تلك المناطق للاستشفاء وهناك تعرَّف إلى الأعياد والمناسبات والثقافة الإسلامية. وعبّر في إحدى رسائله إلى صديقه «كرايفسكي» أنه يرغب بالسفر إلى مكة موطن الرسول ومهد الإسلام، كونه وجد في القرآن قيماً عالمية وجماليات أخلاقية.

وعززت القيم الإنسانية احتفاء أدباء المملكة بأعمال الروائي والقاص «ليو تولستوي 1828 —1910»، الأرستقراطي الذي رفضَ حياة الترف والثراء واتجه نحو الزهد والوعظ الإنساني الأخلاقي وجد ضالته في شخص الرسول العربي محمد؛ لذلك خصّه بأحد أهم كتبه والمعنوَن «حكم النبي محمد» وقال فيه: «مما لا ريب فيه أن النبي محمداً من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح نحو السكينة والسلام وتفضل عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام».

من جهتها تحتفي وزارة الثقافة بروائع الثقافة الروسية عبر فعاليات متنوعة أقيمت وتقام في مدينة الرياض، تزامناً مع زيارة فخامة الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية إلى المملكة.

وتتضمن عروضاً فنية متنوعة تُبرز قيمة الثقافة الروسية من بينها معرض خاص بلوحات الفنان الروسي فاسيلي كاندينسكي، ومعرض فني للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى عروض أفلام روسية كلاسيكية وحديثة، وأمسية موسيقية لأوركسترا تشايكوفسكي الروسية التي ستقدم مجموعة من المعزوفات الشهيرة لأهم الموسيقيين العالميين من بينهم سيرجي رحمانينوف، ونيكولاي كورساكوف.

ومن أبرز الأعمال التي يقدمها المعرض لوحة «ميموزا أوف باسيرباي» للفنان ماريو كلينغيمان، وعمل «انستوليشن تايم» للفنان قسطنطين نوفوسيولوف الحائز على جائزة نوبل الذي يتناول فيه موضوعات فلسفية يتم التعبير عنها في أوراق مرسومة باستخدام حبر الجرافين، ويشارك في المعرض الفنانان السعوديان مهند شونو ولولوة الحمود.

كما تضم فعاليات «ثقافات من روسيا» معرضاً لأعمال مؤسس الفن التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي المتوفى عام 1944، وتمثل لوحاته عرضاً فنياً باهراً يفيض لوناً وتعبيراً ويظهر فيه تفاصيل المنازل الخشبية والأواني والأدوات المنزلية وألعاب الأطفال وعجلات الغزل السائدة في القرنين التاسع عشر والعشرين.

وستُعرض خلال فعاليات «ثقافات من روسيا» مجموعة من أهم الأفلام الروسية الكلاسيكية والحديثة، من بينها فيلم «المرآة» للمخرج الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي الذي يعد من العلامات المضيئة في تاريخ السينما العالمية، كما سيعرض الفيلم القصير الحائز على الأوسكار «الشيخ والبحر» للمخرج ألكسندر بيتروف، وفيلم «ستالينغراد» الذي يعد من أنجح الأفلام الروسية الحديثة وقد تم إنتاجه عام 2013، وسيتم عرض الأفلام في صالات العرض المخصصة في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض.

وتنظم وزارة الثقافة الفعاليات بالشراكة مع صندوق الاستثمار الروسي المباشر، ويأتي ذلك احتفاء بروائع ما أنتجته الثقافة الروسية بتاريخها الإبداعي العريق، وتأكيداً لعمق العلاقات التي تربط بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية.