-A +A
مي خالد
في تراثنا العربي القديم قرأنا جمل تفخيم في سير أشخاص عاديين وصفوا بالعلماء، ففلان الزاهد بحر العلم الزاخر، وعلان أعجوبة الزمان وبدر العلماء الزاهر... إلى غير ذلك من تمجيد يشي بأن هؤلاء الموصوفين في الكتب كانوا على معرفة واسعة واطلاع عميق على جميع معارف زمانهم. والحقيقة التي ندركها الآن هي أن هذه العلوم في زمانهم تكاد لا تتجاوز ألف بيت في النحو، وعشرين صفحة في الفقه، ومائتين في علم الأنساب، والأربعون الحديث النووية، وعدد من قواعد العدل والتجريح، وكذلك عدد لا بأس به من القصائد.

ويقولون ما ترك الأول للآخر شيء بينما في الواقع لو بُعث الأول هذا العالم النحرير الجهبذ في زماننا لتعجب من جهله وارتاع من التقدم العلمي الذي وصلت إليه العلوم.


بل لو انتقل أحدنا من عالمنا الثالث القائم على الاستهلاك والصراع من أجل لقمة العيش وزار أحد معاهد العلوم أو مراكز الأبحاث في جامعات العالم الأول لأدهشه كيف أننا وهؤلاء البشر جيران على نفس الكوكب.

إن التكنولوجيا والعلوم تتطور بوتيرة سريعة لا يمكن قياسها بالزمن العادي. لذا سأحاول أن أُقرّب المسألة فأقول إن مجموع ما تعرفه البشرية من العلوم يتضاعف كل عام. نعم المعرفة تتسع للضعف كل عام، بينما هي كانت تسير بوتيرة ثابتة فتتضاعف كل قرن تقريبا.

ومع ذلك، يبدو أن بعض التنبؤات بتطبيقات معينة للتكنولوجيا قد تبدو بطيئة بشكل مخيب للآمال. السيارات الطائرة هي واحدة من هذه التطبيقات التي عاصرنا التنبؤ بها لكنها توقفت ولم تتحقق حتى الآن كما هو مأمول، والسفر عبر الفضاء كذلك من العلوم التي تأخرت عن المتوقع وسبب ذلك عدم وجود منفعة كبرى منها. فكما قلنا في مقال الأسبوع الماضي، الحياة على المريخ مستحيلة حتى الآن، ربما حين تصبح ممكنة ستتقدم تقنيات السفر للفضاء وتصبح أرخص وفي متناول الجميع.

بينما تقنيات فيها منفعة ومردود مادي كبير مثل تقنيات الاتصال والطائرات فقد تقدمت تقدما متسارعا، فأغلبنا عاصر التليفون السلكي وهو الآن يحمل شاشته المدهشة في جيبه. ويعيش بيننا اليوم من كبار السن من عاصروا دخول الطائرات للنقل لأول مرة في التاريخ وهو يعيش اليوم زمن الدرونز. الطائرات بدون طيار.

أما في ما يخص علاج الأمراض وتحرير الجين البشري فهي أمور فوق استيعابنا لسرعتها وضخامة نتائجها.