-A +A
محمد مفتي
تناولت في المقال السابق «الحوثيون.. ما قل ودل» المعالم الرئيسية لتاريخ وفكر الحوثيين، وعلاقتهم بنظام طهران، وكيف توظفهم طهران لتطويق المملكة من الجنوب، وأوضحت في نهايته دقة الموقف الحالي وخطورة اتخاذ أي خطوة دون دراسة مستفيضة، ولاسيما وأن المملكة تمر بمرحلة يتعين عليها خلالها صنع التوازنات بين مختلف الأطراف ذات العلاقة، ولو عدنا للهجمات التي استهدفت معملي أرامكو فسنجد أن إيران تستميت في نفي أي علاقة لها بهذه الهجمات.

إيران تكذب وتعرف تماماً أنها تكذب وتتهرب من جرائمها، فما الذي يدعوها للتنصل من مسؤوليتها عن تلك الهجمات؟ هل تخشى عواقب أفعالها؟ أم أنها بالفعل تريد الحرب؟ قد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن إيران تريد الحرب بالفعل، ولكن بشروطها، بمعنى أنها تريد الحرب التي تصب في نهاية المطاف في صالحها وليس ضدها، تعرف إيران جيداً أنها لو أعلنت مسؤوليتها عن هجمات حادث بقيق، فستكون الخاسر الأكبر، وذلك لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، أولها هو أنه عليها تحمل نتائج غضب المجتمع الدولي من اعتداءاتها على شريان الطاقة الذي يمد العالم بموارده الأساسية من النفط، وسيكون من حق المملكة عندئذٍ تشكيل تحالف دولي لردعها ولن تتمكن من الصمود وقتئذٍ طويلاً.


تريد إيران أن تدخل على الخط في حرب مباشرة مع الحوثيين ضد التحالف، لكنها تفتقر للمسوغات التي تدفعها لإعلان الحرب، لذلك تلجأ بين كل فترة وأخرى لاستفزاز المملكة ولكن دون أن تعلن الحرب من جانبها، لأنها تعرف جيداً أن ذلك قد يؤدي لمزيد من عزلتها دولياً، كما سيؤدي لمزيد من حصارها، مما قد يترتب عليه استصدار قرار من مجلس الأمن بحظر بيع الأسلحة لها، أضف إلى ذلك أن المملكة هي أرض الحرمين الشريفين فإن أعلنت الحرب من جانبها فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة السخط والنقمة الشعبية داخل إيران، بل وأغلبية شعوب العالم الإسلامي، وبخلاف ذلك لا يمكننا إنكار أن نجاح أي حرب يعتمد على اعتقاد ويقين كبار القادة العسكريين بعدالة قضيتها وشرعيتها، ونحن على ثقة من أن غالبية كبار العسكريين الإيرانيين لديهم يقين بأن أرض المملكة هي أرض الحرمين الشريفين التي لا يجوز الاعتداء عليها أبداً.

خلال حرب الخليج الثانية، وقبل بدء عملية عاصفة الصحراء، حاول النظام العراقي وقتذاك استفزاز المملكة بشتى الوسائل لكي تبدأ المملكة حربها مع العراق قبل أن تكمل قوات التحالف الدولي استعداداتها، حتى وصل الأمر لاختراق حدودها البرية ومجالها الجوي عدة مرات، غير أن الحكمة وسياسة ضبط النفس اللذين تتمتع بهما المملكة منعاها من الانزلاق في شرك الاستفزازات، وكان ردها حاسماً من خلال تحركها في إطار قرارات مجلس الأمن، وتم بعدها توجيه عدة ضربات قاصمة للنظام العراقي، وتحقيق النصر الكاسح خلال أسابيع قليلة فحسب، دون أن تخسر المملكة بنيتها التحتية أو تعاني من أي خسائر بشرية.

تمارس المملكة سياسة ضبط النفس دوماً، منذ أن اندلعت الاضطرابات في المنطقة وحتى يومنا هذا، وربما كان ذلك هو سبب دعوتها لمشاركة خبراء دوليين في التحقيقيات الخاصة باعتداء بقيق، فوجود مثل هؤلاء الخبراء لا يعكس عجزاً أو قصوراً في قدرات الخبراء السعوديين، ولكن تم استدعاؤهم للوصول إلى نتائج مشتركة بين جميع الأطراف الدولية، وهو ما نتج عنه تحميل بريطانيا وفرنسا وألمانيا إيران نتائج هذا الاعتداء.

بالإضافة إلى كل ما سبق قوله لا خلاف في أن إيران دولة محاصرة اقتصادياً ومنهكة على جميع الأصعدة، ويعاني شعبها حالة من الغضب المكتوم والسخط المستعر، ولو بدأت إيران الحرب فستكون -وفقاً للقوانين الدولية- مسؤولة مسؤولية كاملة عن دفع التعويضات المالية للمملكة ولقوات التحالف نتيجة لعدوانها، وإن لم تمتثل فقد يقوم مجلس الأمن ببيع نفطها لسداد قيمة تلك التعويضات، كما حدث مع العراق بعد غزوه للكويت، عندما تم بيع نفطه لسداد قيمة التعويضات.

إذن من يملك قرار الحرب في هذه اللحظات الحرجة؟ في اعتقادي أن قرار الحرب ليس بيد قوات التحالف أو المملكة، بل هو بيد إيران نفسها، وهذا ما يذكرنا بالمؤتمر الصحفي الذي صاحب الاستعراض العسكري قبل انطلاق عاصفة الصحراء لتحرير الكويت، عندما قام أحد الصحفيين بسؤال الملك فهد رحمه الله «هل هناك فرصة لتجنب الحرب؟» فأجاب الملك بأن إجابة هذا السؤال لدى صدام حسين نفسه، فإن امتثل العراق لقرارات مجلس الأمن بالانسحاب غير المشروط من الكويت فهناك إمكانية لتلافي الحرب، وإن لمن يمتثل العراق لهذه القرارات فعليه أن يتحمل تبعات ذلك.

نفس الأمر ينطبق على إيران، إن خضع قادتها وانصاعوا لقرارات المجتمع الدولي وعادوا إليه كدولة طبيعية مسالمة، فإن هناك إمكانية كبيرة لتجنيب المنطقة حربا ضروسا وصراعا عنيفا، ولكن إن أصرت إيران على الاستمرار ومواصلة الاعتداء واستهداف المواقع الحيوية بين كل حين وآخر، فلا سبيل آخر -للأسف- إلا بالضرب بيد من حديد على مفاصل هذا النظام الإرهابي بكافة الوسائل وهزيمته وتحميله نتائج أفعاله الخرقاء وسياساته المدمرة.

* كاتب سعودي