-A +A
علي بن محمد الرباعي
سبق المتنبي أخصائي النفس والاجتماع إلى تشخيص حال سيئ الفعل وأثر سوء فعله على سوء ظنونه حين قال «إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونه، وصدّقَ ما يعتاده من توهّم، وعادى محبيه بقول عُداته، وأصبح في ليل من الشكّ مظلم». كأني به يتحدث عن مجموعة ترى نفسها حامية للفضيلة، إلا أن المنطلقات والآليات أحياناً غير فاضلة. بدءا من سوء الظن المذموم شرعاً، وليس انتهاء بالارتياب، مروراً بالشك في الناس.

التوجيه النبوي يدعو لحسن الظن ويحذّر من تتبع الزلات بقصد ضبط إنسان بجُرم مشهود في الحديث «إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» وفي آخر «ومن تبع زلة أخيه المسلم فضحه الله ولو في جوف بيته».


عامان مرّا ببلادنا منذ انطلقت الحقبة الإصلاحية، ومن فضل الله علينا أننا استشعرنا جميعاً مسؤوليتنا تجاه الفساد بأنواعه والظلم بكل صوره والأذى والعنف بكامل أوصافه، والجميع بحمد الله بمجرد أن يلمح مخالفة في السوق أو العمل أو المتنزه يوثّقها وينشرها وهذا إنكار عملي للمنكر.

يردد البعض آية «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، وهذا متحقق لدينا، إلا أن البعض يريد تفسير الآية وفق أهوائه، وربما لا يرضيه أن نكون جميعاً رجال حسبة وحرّاس فضيلة، علماً بأننا نرفض بفطرتنا كل ما يسيء لديننا ومجتمعنا وأهلنا ووطننا، ولا يقبل سعودي منتم لهذا الوطن أن يعبث مختل أو متطرف أو منحل بمقوماتنا أو يسيء لقاماتنا.

نحن اليوم رجال حسبة بفضل التقنية التي وفّرتها الدولة. والدولة سند لنا جميعا كون النيابة تأخذ على محمل الجد أي مشهد أو لقطة وتتعامل معها وفق النظام دون تلكؤ أو بيروقراطية.

لماذا لا يرضى هذا البعض بأن نكون محتسبين وحراس فضيلة؟ هذا السؤال سيعيدنا لمطلع المقالة، فهناك مرض فيمن يتصور أنه يمكن له أن يحتكر الحسبة في صفات ومواصفات والآية تنقض هذا التصور، إضافة إلى تعزيز الإخوان والسرورية فكرة تقاسم السلطة مع الحكومة من خلال مؤسسات غير سيادية، والحزبيون كالنّفْسِ إن تهملها شبّت على حب السلطة وعشق التسلط وإن فُطمت تنفطم. لي رجاء لمن يصوّر مقطعاً لأي فساد أو تعدٍ أن يزوّد به جهة الاختصاص دون حاجة لعرضه على الملأ فلربما كان أصلح وأنفع وأقوم.