-A +A
أريج الجهني
إن أولى خطوات الوعي هي تعرية الذات، تعريتها من الزيف والتيه والغي وكل ما يمكن أن يمنع صقلها وإزالة ما يتلبس كينونتها، نحن دائما ما نرزح تحت إرث ثقيل من «الإرادات المجتمعية» (خلك بنت شاطرة، خلك رجال شهم)، الجميع بدون استثناء يزج نفسه بين روحك وجسدك، الجميع يريد أن يشاركك أبسط قراراتك السلمية، فعليا الإنسان هنا «منزوع الإرادة» منزوع الوعي، أهلكتنا كثيرا هذه التدخلات وعلقنا في الطور الأول من هوياتنا التي تعرقل أهدافنا الحياتية السامية، فالجماعة تريدك أن تبقى «الكفو» الذي لا يعيش إلا برضاهم، والمجتمع يضعك في خانة «المراقبة» فيعتبر كل ما تفعله وتأكله وتلبسه وتشربه مصدر «استفزاز»، وهكذا نحن نعيش حياة وأوهام الناس لا حياتنا نحن.

ينازع الوعي دائما الخوف والارتياب من المستقبل ولعله دافع حقيقي لأن يستمر الإنسان في النمو، لكن هناك قوى خفية تقف عائقا بين العقل والوعي وقد اختلف الفلاسفة في تصنيفها، ولكن ما نراه في مجتمعنا يمكن أن أصنفه لثلاث قوى حقيقية تضعف الفكر الإنساني الحر، وهي: (وش قالوا؟ وش أصلح؟ وش بيصير)، (وش قالوا ووش يقولون الناس عنا توازي الوجود الاجتماعي وقيمة الإنسان في المجتمع والتي نبالغ في مراعاتها بل قد تتعطل حياة البشر بسبب «وش يقولون»، وش أصلح: حينما يستعير الإنسان أدواره من مجتمعه ويتوهم رضاهم وينتظر تصفيقهم لكل ما يفعل ولا يقدم على أي أمر إلا إذا توافق مع مجتمعه بالتالي يرضون إذا أرضاهم ويغضبون إذا قرر أن يمارس أمر آخر، وش بيصير: وهي توازي اللا شعور والإفراط في الخوف، مثلا الكثير من الناس يخافون لمجرد الأوهام القابعة في رؤوسهم فتجدهم غير مستعدين للمغامرة ومقيدين أيديهم خلف ظهورهم بقيود هوائية لا وجود لها).


نعم علينا أن نجعل الفلسفة تعالج منطقنا المحلي إذا أردنا الحصول على نتائج معرفية يمكن أن نبني عليها أساسا فلسفيا وإنسانيا للتحولات النوعية القادمة، الفلسفة التحليلية التي أميل لتوظيفها من خلال معالجة اللغة هي الأقرب لنسيجنا الثقافي اللغوي، الأنا لدينا «متعبة ومجهدة»، فهي مشردة بين الصعود فوق المسرح لتنال الإعجاب، أو بين السقوط تحت رغبات الآخرين «يا شغلك يا أهلك»، كم فتاة خسرت وظيفتها بسبب هذه الأوهام، وكم شاب فارق حبيبته ليرضي قبيلته؟.

لنتوقف عن ممارسة هذه الجاهلية، لنتوقف عن النظر لما في أيدي الناس وما على أجسادهم، قمة الحماقة أن تظن أن مظهر شخص ما قد يهدم مجتمعك، الانعتاق من الهوية الأولية أصبح ضرورة ملحة، بالمقابل لا توجد أي مشاريع حقيقية على أرض الواقع تعالج هذه الأزمة التي نعيشها، نعم نحن نعيش «أزمة هوية»، بين هوية مختطفة من الإخوان في وثيقة سياسة التعليم البالية، وخطاب التفاهة المعاصر وتمييع الهوية السعودية ومحاولة تلبيسها ثوبا واحدا وكأننا نعيد إنتاج الإقصاء من جديد، لتكن هويتنا واعية متسعة وعالية جدا.

areejaljahani@gmail.com