-A +A
علي بن محمد الرباعي
ربما خَطَرَ وربما لم يخطر ببال بعضنا مثل هذا السؤال، ما هو تصورنا لحال الجزيرة العربية منذ أن خرج منها الصحابة إلى الشام وبغداد والقاهرة - بحكم طبيعتها القاسية وتضاريسها الوعرة - حتى أحياها تحت رايته الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه.

لم تستمر جزيرة العرب على ما كانت عليه زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، فحروب الرِّدة أحدثت حالة فصام بين ما قبل وما بعد، ناهيكم عن زمن الفتنة وما ترتب عليه من انقسامات بين الصحابة حد الاقتتال، ما أغرى دهاقنة العرب بالعودة لزمن القبيلة، والانتقام من التاريخ بأثر رجعي.


بنى الأمويون عاصمة للعهد الجديد في دمشق وغدت بلاد الشام المركز، فيما تحولت جزيرة العرب إلى طرف يقوم عليه أمير أو حاكم محدود الصلاحية ينتظر خراجاً أو هبات للحرمين، ولولا الحرمان الشريفان عمرهما الله وحرسهما ربما لا يكاد أحد يذكر جزيرة العرب، بل تطاول بعض حكام ذلك العصر على (مكة والمدينة).

كأنما هاجر الإسلام من بيئته الأولى واندمج في مجتمع أكثر انفتاحاً وحضارية. تلاقحت الأفكار وامتدت البلدان حتى أفلت شمس الأمويين، وإنِ انتهى العصر الأموي عام 132هـ، بنقلة نوعية للأمويين بهروب صقر قريش عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس، لينبثق من هناك فجر متجدد للإسلام بحكم التقاء روح الإسلام الحضاري بعقلية ووعي الإنسان المحايد والموضوعي.

ابتنى خلفاء بني العباس في العراق عاصمة جديدة، ولم يكن حال جزيرة العرب أفضل مما كان عليه في القرن الأول بل تحول السير فيها إلى مظنة هلاك، ومرّت الأيام، لتطوى صفحة العباسيين وينتقل من بقي منهم إلى القاهرة إثر تدمير التتار لبغداد. وفي القاهرة بدأت فصول درامية جديدة بين المماليك والعباسيين في حين لم يبق من ذكر لجزيرتنا العربية إلا وقت رحلة الحج.

وعندما استعاد الملك عبدالعزيز ملك آبائه وبنى دولته ووطد دعائمها عاد إلى جزيرة العرب إسلامها النقي، وبدأت النعرات تختفي تدريجياً، والقبائل تتصالح، ساد الأمن، وظهر البترول، وتعلم المواطنون، وأنشئت المؤسسات.

هذا المجد المؤثل الذي انتصر لجزيرة العرب بعد قرابة ألف عام من الإهمال يستحق الشكر، والحفاظ على كينونته بالنفس والنفيس. كل عام ووطننا السعودي أزهى وأرقى وطن، ورحم الله الإمام النقي التقي عبدالعزيز.