-A +A
«عكاظ» (الرياض)

شكّل الفهرس العربي الموحد منظومة علمية وثقافية ومعرفية كبرى في العالم العربي اليوم، وقد انطلق من مهد الثقافة العربية والإسلامية، حيث تبنت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة هذا المشروع المعرفي الكبير من أجل فهرسة مكتبات العالم العربي في فهرس موحد وطرحه كأكبر محتوى عربي مفهرس على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت). وأثبتت مؤسسات المعلومات أنها من أكثر المؤسسات استجابة للتطور ومواكبة متغيرات العصر. والمكتبات ليست بعيدة عن اللحاق بالركب العالمي بوجود مشاريع تعاونية مثل الفهرس العربي الموحد برؤيته الواضحة، وخدماته المتطورة، واستغلاله لأحدث التقنيات، وتركيزه على تطوير الموارد البشرية، فقد أنجز الفهرس أكبر قاعدة ببليوجرافية للإنتاج الفكري العربي، وأشمل ملفات استنادية للأسماء ورؤوس الموضوعات وفق أحدث القواعد والتقنينات الدولية، ومكتبة رقمية عربية موحدة، وبرنامجا تدريبيا متكاملا في مجال تنظيم المعلومات. كما قدم الفهرس خدمات متطورة ومواكبة لاحتياجات مؤسسات المعرفة مثل: الخدمات السحابية والفهرسة الأصلية والمنقولة وترقية قواعد البيانات الببليوجرافية والملفات الاستنادية وفق قواعد الوصف الجديدة (وام). وجميع هذه الإنجازات مواكبة لخطط التنمية المستدامة وتحقيق الوصول إلى المعلومات. وتحتاج مؤسسات المعلومات إلى الإبداع والابتكار لتستمر في النمو وتحقيق أهدافها من خلال تقديم خدمات معرفية تلبي احتياجات المستفيدين، وفق ما تقدمه وتيسره التقنيات الحديثة، وترشيد النفقات، وجودة المنتج، إذ تساعد الابتكارات في تقديم مفاهيم ومعرفة ومنتجات وخدمات جديدة أو مطورة. وفي ظلال هذا الوعي الابتكاري أنشئ الفهرس العربي الموحد بأمر سامٍ، وأسند تنفيذه لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض (أمر سامٍ رقم (26346)، 1422/2/19هـ (2001/5/12))، وذلك تحقيقاً لحاجة ماسة ومطالبات لعدة عقود بعمل مؤسسي تعاوني عربي للضبط الببليوجرافي والاستنادي، وإيجاد فهرس وطني عربي، وتوحيد المعايير والتقنينات في مجال تنظيم المعلومات. ويعد الفهرس العربي الموحد أحد المشاريع الثقافية العربية غير الربحية الذي عمل مع المكتبات العربية في إطار تكاملي وتعاوني لتيسير الوصول إلى المعرفة العربية، وتطوير فهارس المكتبات العربية بمعايير ومواصفات دولية، وهو في ذلك مواكباً لخطط التنمية المستدامة التي تعمل العديد من الدول العربية على تطبيقها، والتي من أهم أهدافها تحقيق الوصول إلى المعلومات، فقد أسهم الفهرس العربي الموحد في تأسيس بيئة معرفية عربية من خلال إنشاء منصة للخدمات المعرفية تتناسب ومتطلبات البيئة العربية سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وثقافياً.

وقام الفهرس العربي الموحد على بناء مؤسسي، إذ أنشئ له مركز يتولى التخطيط والتنفيذ وإدارة العمليات، ومزود بفرق عمل متخصصة لإنجاز المشاريع الفرعية للفهرس العربي الموحد. وكان من أول إنجازات المركز وضع وتطوير سلسلة من التقنينات والمواصفات المعيارية اللازمة للمشروع منها: ترجمة صيغة مارك 21 بقسميه الببليوجرافي والاستنادي، فضلاً عن وضع مجموعة من القواعد المعيارية لإنشاء الملفات الاستنادية للموضوعات وأسماء الهيئات وأسماء الأشخاص والعناوين الموحدة، مبنية على القواعد والتقنينات الدولية، خصوصا القواعد الإنجلو أمريكية للفهرسة – ط 2 AACR-2 وقواعد وصف وإتاحة الموارد (وام RDA)، والتوجهات المعيارية لمكتبة الكونجرس، والاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ومؤسساتها (IFLA). كما تبنى المركز خطة تصنيف ديوي العشري، الطبعة الحادية والعشرين المعربة، وكان مركز الفهرس العربي الموحد قد أصدر أول كتاب عربي في مجال الفهرسة بتطبيق قواعد الوصف الجديدة (وام) بعنوان: «الدليل العربي للفهرس باستخدام قواعد التقنين الدولي لوصف الموارد الببليوجرافية وفقاً لمعيار مارك 21». كما أصدر الفهرس كتاباً آخر بعنوان: «الدليل العملي لقواعد «وام» في الضبط الاستنادي لأسماء الأشخاص وفق معيار مارك»، ليكون دليلاً في متناول المختصين العرب لتسهيل بناء التسجيلات الاستنادية للأسماء. وهناك كتابان تحت الطبع الأول بعنوان: «الدليل العملي لقواعد وام في الضبط الاستنادي لأسماء الهيئات وفق معيار مارك 21»، والثاني بعنوان: «تفسير العلاقات الببليوجرافية حسب نموذج فربر ومعيار مارك 21»، سيصدران قبل نهاية هذا العام وسيكونان إضافة نوعية إلى المكتبة العربية في مجال تنظيم المعلومات. وفي إطار رؤيته الجديدة بأن يكون منصة للمعرفة العربية يعمل الفهرس العربي الموحد على طرح مبادرات جديدة تساعد المكتبات ومراكز المعلومات العربية في تحقيق أهدافها وتلبية الاحتياجات المعرفية التي تتطلبها خطط التنمية المستدامة، ومن أبرز هذه المبادرات، برنامج دعم إنشاء الفهارس الوطنية: إذ يسعى البرنامج إلى الإسهام في تحقيق أهداف المكتبات الوطنية لبناء فهارس وطنية شاملة تعزز من الوصول إلى المخزون الفكري الوطني والاستفادة منه في التنمية الوطنية، ضمن المهام المناطة بالمكتبات الوطنية. كما ينطلق البرنامج أيضاً من أهداف وغايات الفهرس العربي في دعم المكتبات العربية وتمكينها من تحقيق مساهمة وأثر أكبر في التنمية المستدامة. ويبنى البرنامج على إتاحة الإمكانات الفنية والمخزون المعرفي المتاح من قبل أعضاء الفهرس العربي الموحد على المستوى الوطني للمكتبة الوطنية وبما يمكِّنها من بناء فهرس وطني تتيحه للباحثين والمستفيدين، ما سيساعد المكتبة الوطنية على إطلاق الفهرس الوطني تحت إدارتها وإشرافها وبأقل جهد وكلفة وفي أسرع وقت ودون أي كلفة إضافية في الحد الأدنى المقدم من الفهرس العربي الموحد. ويقدم الفهرس العربي الموحد إلى جانب ذلك مبادرة المؤلفين والمبدعين العرب، إذ يتيح لهم إمكانية إضافة بياناتهم الشخصية والسيرية للتسجيلة الاستنادية التي تخصهم وصورة شخصية، والتعريف بإنتاجهم الفكري والترويج له من خلال نشره بالشكل الرقمي على بوابة الفهرس بنصه الكامل أو فقط صفحة الغلاف وقائمة المحتويات. وسيتكمن أكثر من 5000 مكتبة عربية وأكثر من مليون زائر لبوابة الفهرس العربي الموحد سنويا من التعرف على المبدعين وإنتاجهم واهتماماتهم العلمية وآلية التواصل معه. يذكر أن الفهرس بدأ منذ عام 2019 بإتاحة إمكانية إضافة المحتوى غير العربي باللغات الإنجليزية والفرنسية والصينية والكردية والأمازيغية. وتهدف هذه المبادرة إلى تحقيق هدفين: ضم التسجيلات الببليوجرافية لمقتنيات المكتبات الأعضاء بجميع اللغات، وحصر جميع الإنتاج الفكري العربي باللغات الأخرى وتنظيمه في قاعدة الفهرس العربي الموحد. وقدم الفهرس جملة من الإنجازات على غرار القاعدة الببليوجرافية للفهرس العربي الموحد المشتملة على 2.350.000 تسجيلة فريدة لجميع أشكال وأنواع أوعية المعلومات من كتب ومقالات دوريات ورسائل جامعية ومطبوعات حكومية وصور وخرائط ومسكوكات ووثائق وموارد إلكترونية. وأعلن الفهرس العربي الموحد في 20 مايو 2019 تحويل جميع التسجيلات الببليوجرافية الخاصة بالكتب إلى قواعد الوصف الجديدة (وام RDA)، إذ بلغ عددها 1.700.000 تسجيلة. ويستمر العمل على تحويل باقي التسجيلات خلال عام 2020. وطور الفهرس ملفات استنادية لأسماء الأشخاص والهيئات والملتقيات والأسماء الجغرافية، وملفاً إلكترونياً لرؤوس الموضوعات. ويطبق الفهرس على القاعدة الببليوجرافية والملفات الاستنادية المعايير والتقنينات الدولية وأفضل الممارسات المعتمدة. وقد حقق الفهرس نمواً مضطرداً للتسجيلات الاستنادية لأسماء الأشخاص حيث بلغ عددها في عام نهاية 2018 568.000 تسجيلة استنادية. وعقد مركز الفهرس العربي الموحد منذ إنشائه 249 دورة تدريبية، استفادت منها 1331 جهة مكتبية وثقافية بالعالم العربي، وبلغ عدد المتدربين والمتدربات 4975 متدربا ومتدربة. ويقدم الفهرس العربي الموحد باقة من الخدمات من خلال منصته للخدمات المعرفية التي ستساعد المؤسسات على الصمود أمام التحديات التقنية والفنية التي تواجهها وبما ينعكس إيجابياً على مجتمعها وعلى خدمات المستفيدين التي تقدمها بجودة فنية عالية، وبسرعة إنجاز قياسية، وبما يضمن حداثتها ومواكبتها لكافة التغييرات التي تحدث في عملية الوصف الببليوجرافي. ونظراً لحجم التغيير الكبير في القطاع فقد قام مركز الفهرس العربي الموحد بأخذ زمام المبادرة وأطلق برامج سنوية طموحة وواعدة. وما يؤهل مركز الفهرس للقيام بهذا الدور هو كون المركز أول جهة عربية تستكشف أغوار القواعد الجديدة بشمولية وتبدأ في معالجة تسجيلاتها بتطبيقها. وأصدر المركز أدلة عملية عن قواعد الفهرسة الببليوجرافية والاستنادية ما شكل دعماً قوياً للتدريب، إضافة إلى الخبرات العملية الكبيرة التي تكونت لدى فريق التدريب.