-A +A
نجيب يماني
لم تترك لي الدكتورة وفاء الرشيد من خيار سوى العودة بالرد عليها مجددًا، لما انطوى عليه مقالها «هل أنت كافر؟!»، المنشور في عكاظ 18 ذو القعدة 1440هـ، من نقاط «احتطبت فيها بليل»، وضربت فيها بسهم وافر من التعمية واللغة غير المنضبطة، رغم أني بذلت لها النّصح بتحرّي ذلك حين العودة عليَّ بالرد، رجاء أن يكسب القارئ ما يفيده في ساح «السجال الفكري»، متى ما كان منضبطًا، وواعيًا لماهية ما يخوض فيه، ومتخلّصًا من مجانية الاتهام بغير دليل، وبعيدًا عن نوازع «جلد الذات» و«التياث الأفكار» و«الاتكاء على الفرضيات الخاطئة»، كما هو محفوظ في ذيل مقالي السابق الموسوم بـ«أدوات الإمام الشافعي الاجتهادية محدودة.. أيّ جرأة هذه؟!»، والذي تحرّك من منصة الرد على مقال الدكتورة وفاء؛ «هل نجرؤ أن نجدد الفكر الديني؟»..

لذا أجد من الضروري الرد على مقالها والذي استهلته بالإشارة إليَّ على اعتباري «أحد المجتهدين»، وفات على الدكتورة الفاضلة أن صيغة «التجهيل» بـ«أحدهم» لا تنسجم مع «المجتهدين»، إلا إذا غاب عنها مقام «المجتهد» في العلم والمعرفة، وتكون بهذا قد «رفعتني» مقامًا سنيًا من حيث أرادت «خفضي» بالتجهيل، والحال كذلك فلا أقل من تذكير الدكتورة وفاء بمراجعة مراتب المتعلمين ومنازلهم ودرجاتهم، ولها الخيار من ثمّ أن تضعني في المرتبة التي تناسب غرضها من تقزيم شخصي، إن كانت تلك غايتها..


وقد ادعت أن مقالي حمل «سطورًا من الهجاء» فيها، بما حتّم عليَّ الرجوع مرة أخرى إلى المقال، وقلبته على كل الأوجه، فلم أجد فيه ما أشارت إليه الدكتورة الفاضلة؛ إلا إذا اعتبرت «النقد» الذي وجهته لمقالها هو من باب «الهجاء لشخصها»، وأظنها أوفر حظًّا في مقام التمييز من أن تقع في مثل هذا الخلط المفاهيمي، الذي يقع فيه المبتدئون ممن يظنون أن النقد رديف الهجاء، وأن السهام التي تناوش «المكتوب» لا بد وأنها تقصد «الكاتب».. وهذا فهم سقيم لا شك أن الدكتورة وفاء بريئة منها كل البراءة..

على أني مع ذلك أجد بعض الحرج في تفسير قولها أنني لم «أحترم أصول الكتابة والنقد المهني»، في تعاملي مع مقالها، ذلك أنني وضعت مقالها على طاولة التشريح دون أن أغرّب أو أشرّق وألتفّ عليه، بل علّقت طائفة من الأسئلة التي رأيتها ضرورية في معرض البحث عن الإجابة عليها، فيما يتصل بادعائها محدودية أدوات الإمام الشافعي - عليه رحمة الله -، بما يجعل فرضياتها المبثوثة في المقال قائمة على ساق، ووجيهة من حيث الطرح والموضوع، وظننت أني عبّدت لها الطريق لتمضي في ذلك على هدىً من رؤية باصرة، وفكر قويم، غير أنها خذلتني في ذلك في مقالها الذي ردت به عليَّ، حيث ضرب المقال في وادٍ لم أطرقه، حيث لم يأتِ في مقالي ذكر للتكفير، ولا ضربت مثلاً بمُكَفِّرٍ ولا بمُكفَّر.. وما كانت تلك غايتي، وإنما كان مضماري أن أرى على أيّ قاعدة استندت الدكتورة وفاء في ادعاء قصور أدوات الإمام الشافعي الاجتهادية، وكيف أن فكره المتبع وقف حجر عثرة أمام التطور، ولأني أرجو الفائدة وأنشدها؛ لي وللقارئ الكريم، فإني أجد نفسي مضطرًا لإعادة طرح تلك الأسئلة بنصها هنا في هذا المقال، عسى أن تكرمنا الدكتورة وفاء بإجابة شافية، تثري ساح الفكر، وتوقظ وسن الغفلة، بخاصة وأنها كانت أسئلة مستوحاة من سطور مقالتها، ومتكئة على الفرضيات التي جاءت فيها، ومفادها:

[* ما هي ماهية هذا الخطر الماحق والمحدق الذي يتربص بمن يتكئ «على فكر الشافعي وغير الشافعي في القرن الحادي والعشرين؟».

* ما هي ماهية هذه الـ«أزمة النوعية الخطيرة»، التي تستوجب عدم «السكوت عنها؟».

* هل لعاقل قرأ سيرة ومنجز الإمام الشافعي بوسعه أن يقول بـ«منتهى المجانية» أن «وعيه وأدواته الاجتهادية» كانت «محدودة؟».

* من أين استمد «دواق» جرأته، التي توافقه عليها «وفاء» في الزعم بأن التشبث بمتعلقات التعبد قديمًا، موجبة للقطيعة مع الحاضر، في سياق المجتزأ من المقال الذي يقول: «هل الحي الحاضر الآن الذي يستنجد بالسابقين باستمرار، ويطمئن لعقلهم، ولا يطيق أن ينشئ قولاً على قولٍ، ويسرف في سرد نصوص السابقين، ولا يستطيع أن ينشئ متناً على متنٍ، يليق بأن يعيش في زمن النانو؟ أليس العقل الإنساني حياً ومتجدداً؟»..

* وماذا في فكر الإمام الشافعي، وغيره من الأئمة ما يحرم الدخول أو يمنع الدخول إلى «زمن النانو»..؟

* وأي علاقة تضاد هذه التي نشأت في عقل «دواق» و«وفاء» بين علوم الدين ومتطلبات البحث في علوم الحياة وتطورها.. وهل كان الدين والتدين خصمًا عليهما يومًا من الأيام، وكل النصوص القرآنية والنبوية حاضة على ذلك بإعمار الحياة دون قيد، وتكفي الإشارة في ذلك لمحًا إلى قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، فإنه جواز المرور إلى ترتيب الحياة وفق مقدرات العقول، وبما يتوافق مع كل زمن ومحدثاته التطورية دون قيد، غير ما يتعلق بالقواعد الشرعية المعروفة في كلياتها المحددة، مثل قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»..

أقتعد مجلسي في محطة الانتظار رجاء أن أحظى بإجابات مباشرة لهذه الأسئلة المباشرة.

* كاتب سعودي