-A +A
علي فايع
ما يلفت الانتباه أكثر في سيرة الوقت للدكتور معجب الزهراني أنّ مؤلفها كان متديناً في طفولته، وأنه عُرِف بالتدين الصارم وحرّم على نفسه سماع الأغاني لفترة، إلاّ أنّه (كما يقول) كان محظوظاً بالزمن الذي عاش فيه، فلم تكن المدارس والمساجد مختطفة من قبل تيار الصحوة كما حدث لاحقاً وإلاّ لأصبح شيخاً متظرفاً يشار إليه بالبنان، أو لتوزعت حياته في جهاد بطولي موهوم في ما بين أفغانستان والشيشان !

وبما أنّ هذه المقالة والمقالة السابقة تتحدثان عن «الثقافة النكدة» التي غلبت في كتابة السيرة الذاتية للدكتور معجب الزهراني وضمّنها العديد من المواقف والأحداث التي توزّعت بين المدرسة والجامعة مع الأكاديميين الذين درسوا في أمريكا بضع سنوات ونالوا شهادات عليا في تخصصاتهم، لكنهم عادوا أكثر انغلاقاً وتشدداً مما كانوا عليه قبل الرحلة التعليمية، أو من خلال الندوات العلمية، والملتقيات الثقافية، وأفضت إلى إيمان الكاتب بأن عليه ألاّ يذهب بعيداً في الإعلان عن أفكاره ومواقفه لا في قاعة الدرس، ولا في المجلس، ولا حتى في الندوات والمؤتمرات العلمية، لإيمانه بأنّ المؤتمرات والندوات تعوّد الباحث على حبّ الثرثرة، والأساتذة الكبار كثر إلاّ أنّ انتقاد أحدهم أمام الجمهور قد يعدّ تطاولاً على الأستاذ الدكتور الذي تحوّل إلى سلطة طاغية لا يصح الخروج عليها، بل إنّ هذه السلطة في أغلب الحالات وصلت إلى أن نصحه أحد الأكاديميين الكبار مازحاً جاداً بأن «يبطل جهل»!


فهل توقفت «الثقافة النكدة» في سيرة الوقت عند هذه المواقف؟!

لا أظنّ أنّ علينا التوقف قبل لفت الانتباه إلى حديث الزهراني عن الجوائز الأدبية التي تدار لجان التحكيم فيها بشكل طريف، والرسائل الأكاديمية العليا وبحوث الترقيات التي لا تحترم الحدود الدنيا من شروط البحث الأكاديمي المعتبر، والتي تعدّ وجهاً آخر من وجوه الثقافة النكدة التي أخذ على نفسه عهداً بألاّ يناقش أي رسالة عليا إلاّ وقد اقتنع بأنها تحترم الشروط السابقة، ليتجنب المواقف المحرجة التي حدثت له مرتين أو ثلاث مرات، حيث كان عليه أن يختار بين الخضوع لرأي الأغلبية فيكون متساهلاً، أو أن يرفض منح الدرجة، فيُتهم بالتشدد مع شباب عانوا كثيراً في سبيل الحصول على الشهادة!.

المواقف كثيرة والأحداث أكثر والكتاب جدير بالقراءة مرات ومرات.

alma3e@