-A +A
محمد سالم سرور الصبان
استقبلنا جميعًا - المواطنين السعوديين - الأمر الملكي بتعيين الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزيرًا للطاقة، بكثير من الارتياح؛ فقد كان الجميع ينتظر هذه اللحظة، منذ زمن طويل، فهو الرجل المناسب في هذا الوقت المليء بالتحديات لسلعة خام النفط التي لا زلنا نعتمد بشكل كبير على دخل تصديرها.

بدأنا معا في الوزارة منذ عام (1987). بعد أنِ انضمَّ إلى الوزارة، في ذلك العام، قادمًا من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وقد شكَّل فريقًا لدراسات استشارية لمختلف الموضوعات الإستراتيجية الموكلة للوزارة.


والأمير عبدالعزيز بن سلمان جمعتْ شخصيته بين الجانبين الأكاديمي والعملي، فكان مثالاً للخبير النفطي الماهر. فيه كثير من الخصال التي أهَّلتْه ليصبح رجل النفط الأول، ليس على مستوى المملكة فحسب، بل على مستوى العالم العربي. وهو رجلٌ جادٌّ في عمله دؤوب، وقارئ شغوف في مجال الطاقة، ومحاور بارع مُلِمٌّ بأدق التفاصيل. وجاء تعيينه وقتَها في الوزارة، في فترة مشابهة للفترة الحالية، من جهة ما تعيشه سوق النفط العالمية من انخفاض في الأسعار، وتجاوزاتٍ مِنْ قِبَلِ أعضاء الأوبك لحصصهم التي التزموا بها.

الشهرة العالمية التي اكتسبها عبر العقود الماضية لم تأتِ من فراغ، ولم تُكتسب لكونه من الأسرة المالكة، بل لسماتٍ وقدراتٍ يتمتع بها، ولأجلها عرفه أقطاب الصناعة النفطية، وأعطوه قدره الذي يستحقُّه. وهو ذو باع طويل في مختلف أنواع المفاوضات المحلية والدولية، وذلك ما ظهر من خلال نجاحه بامتياز في إدارة ما أُوكِلَ إليه من ملفات صعبة، وكان منها: ملف الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وملف الإغراق الذي كانت تواجهه المملكة دوليًّا، ثمَّ ملف الشراكة السعودية اليابانية، ومفاوضات استراتيجية أوبك للأمد الطويل، وغيرها من الملفات والموضوعات المهمة جدَّا للمملكة. ويطول الحديث عن خبراته ومزاياه العلمية والعملية والاجتماعية، والتي لا تملك معها إلَّا أنْ تُكِنَّ له كلَّ الاحترام والتقدير والمحبة؛ فهو يحترم الجميع ومحبوب اجتماعيًّا.

وكنا نملك مساحة كبيرة للاختلاف معه حول كثير من الموضوعات، فيتقبل ذلك بصدر رحب مازجًا إيَّاه بروح الدُّعابة. وكان يَمْقُتُ التزلّف، ولا يُحبِّذ المجاملة، فكان ذلك من أسباب تجنُّب المحيطين به لهما معه.

تحديات المرحلة الحالية أمام الأمير عبدالعزيز بن سلمان:

هنالك العديد من التحديات التي تواجهها وزارة الطاقة في الوقت الحالي، سواء على المستوى المحلي أمِ الدولي، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولا: الوزارة ليستْ معنيَّةً بملف النفط وحده؛ بل إنَّ ملف مصادر الطاقة الأخرى ينبغي أنْ يأتي على قائمة أولوياتها؛ فهو ملف لم يحظَ بما يستحقُّه لفترات طويلة؛ صحيح أنَّ هناك تطويرا لبعض هذه المصادر، لكنه ليس على المستوى المطلوب، ولا يُسايرطموحات رؤية 2030.

ثانيا: التوسع في برنامج كفاءة الطاقة، وكان الأمير عبدالعزيز يشرف عليه حتَّى توليه الوزارة، وهو البرنامج الذي قد أظهر قدرة كبيرة في نشر الوعي لدى المستهلك السعودي في استخدامات الطاقة وسبل ترشيدها.

ثالثا: على المستوى المحلي أيضا، هنالك ضرورة لإعادة هيكلة الوزارة وتغذيتها بالكفاءات السعودية المتعددة في مختلف مناطق مملكتنا الحبيبة، والبحث عمن «يَصْدُقُهُ»، لا من «يُصَدِّقُهُ».

رابعا: هناك أيضًا ضرورة لاهتمام أكبر بـ «مركز الملك عبدالله للدراسات البترولية»، ولإعادة هيكلة أجندته وتغذيته بالكفاءات الوطنية والتقليل قدر الإمكان من عدد الأجانب العاملين فيه، وتحويله إلى ورشة عمل دؤوبة تُقدِّم الدراسات، وتَعقد الندوات والمؤتمرات، وتُوجِدُ الوعي المحلي المفقود بثقافة النفط، ومصادر الطاقة الأخرى، وكيفية تحقيق التنويع الاقتصادي المنشود في ظل رؤية 2030.

خامسا: أمَّا على المستوى الدولي، فالتحديات التي تواجه سموه عديدة، وهو أعرف بها من كثير منَّا؛ إذْ تواجه سوق النفط العالمية تغيُّرات هيكلية شاملة غيرت من كثير من طبيعة السوق التقليدية. وقد يكون أوَّل التحديات التي ستواجهه، اجتماع الخميس القادم للجنة «أوبك بلس» للانضباط في أبوظبي، وكيفية تعديل نهجها لتعكس الواقع، والإشارة بوضوح لأولئك الأعضاء المتجاوزين لالتزاماتهم.

سادسا: عدم إغفال وقائع السوق النفطية الجديدة، والعمل على وضع إستراتيجية جديدة في كيفية التعامل مع:

-زيادةِ المعروض العالمي من النفط، في الفترة القادمة، وتَسَيُّدِ الولايات المتحدة لتصبح المنتج الأول في العالم، ثمَّ الإقرار بحقيقة أنَّ النفط الصخري سيظلُّ واقعًا دائمًا، ولن يخرج من الأسواق - كما كان يتم تصويره في السابق-؛ بفعل التقدم التكنولوجي، والتخفيض الكبير الذي حدث في تكاليف إنتاجه حتى اقترب في ذلك من تكلفة النفط التقليدي.

- كيفية التعامل مع الضعف الذي طرأ على معدلات نمو الطلب العالمي على النفط مؤخرا، وكان، في جزء كبير منه، بسبب الضعف الذي يعاني منه النمو الاقتصادي العالمي، وما أدَّتْ اليه الحرب التجارية العالمية القائمة بين قطبي الاقتصاد العالمي.

- إعادة رسم اتِّفاق أوبك، وإعطاء الانطباع بأن المملكة لا يمكن أن تدافع وحدها عن الأسواق؛ فذلك ينبغي أنْ يكون مسؤولية مشتركة؛ فمزاياها تعمُّ جميع المشاركين.

وما يمكن قوله في الختام، هو أنَّ هنالك الكثير مما يمكن توضيحه في هذا المجال، وهو ما لا يخفى على الوزير الجديد. فالتحديات عديدة وصعبة ولكنه في نهاية المطاف سينجح - بإذن الله -؛ فهو يملك الطموح والإصرار والقدرة على التحدِّي المُذَلِّلة لكلِّ صعب، ونجاحه نجاحٌ للجميع، وتحقيقٌ لاستعادة المملكة ـ بتوفيقه تعالى ـ لدورها القيادي في سوق النفط العالمية في إطار تحمُّلنا لنصيبنا العادل من الأعباء.

* كاتب سعودي

sabbanms@