-A +A
نجيب يماني
انتقدت الزميلة بشرى السباعي (عكاظ) (مقالات التجني الظالم والميسوجيني ضد النساء وهي تعني كره واحتقار ومعاداة واستنقاص النساء وأن الثقافة الميسوجينية سبب رئيسي لتزايد الطلاق، فالذكر تمت قولبته على أنه المتسيد والزوجة عبدة عنده، وتقترح لخفض نسب الطلاق نشر ثقافة الاشتراط بعقود الزواج). مؤكدة أن العلاقة بين الرجل والمرأة لا تبنى فقط على التفاوت والتفاضل ولا تقوم على التنازع والتخاصم، فهذه العلاقة يجب أن تكون وسطية وسوية وهي تبنى على الاختلاف القائم بين الذكر والأنثى وتنهض على التكامل الناشئ عن اجتماع الزوجين فالمرأة مختلفة عن الرجل ولأنها كذلك فهي له وهو لها. فهما يتشابهان ويتباينان ويألفان ويختلفان ويتحابان ويتعاديان ولكنهما يتعارفان ويتكاملان، فالتكامل هو الأفق لعلاقة متوازنة ومستقرة ودائمة فالمرأة والرجل مخلوقان من نفس واحدة والمرأة ليست من ضلعه، أما ثقافة الاشتراط فقد أقرها الإسلام للمرأة وجعلها حقا من حقوقها وقد تحد هذه الشروط مع ما حصلت عليه المرأة من حقوق مؤخراً من غلو الرجل وتعسفه فلها أن تشترط على زوجها عدم الزواج عليها وهو شرط صحيح واجب الوفاء ولها كذلك أن تشترط في عقد النكاح أن لا يسافر بها الزوج إلى خارج مدينتها، أو أن لا تُسلِّم نفسها له إلا مدة كذا أو أن يكون الطلاق بيدها تطلق متى تشاء أو تستدعيه للوطء عندما تريد هي ذلك، ولها الحق أن تشترط أن لا يحرمها من دارها أو بلدها ولها أن تشترط عليه أن لا يتزوج وأن لا يتسرى عليها، ولها أن تطلب منه أن يطلق ضرتها وأن يبيع أمته والأعجب والأغرب أنه يحق للمرأة أن تشترط في صلب عقد النكاح أن تتزوجه بشرط (أن لا يطأها) فالعقد صحيح والشرط صحيح عند الإمام أحمد ولها الحق أن تضع من شروط في صلب عقد النكاح في ما يعود بالنفع عليها، ولها أن تشترط على الزوج أن يُطلِّق ما عنده من زوجات لتكون هي الزوجة الوحيدة في حياته ولا يتزوج عليها أو أن يكون لها طفل أو أطفال من غيره وتشترط عليه بقاءهم معها وتربيتهم ونفقتهم عليه، أو أن لا يأتيها إلا يوما في الأسبوع، وهذه الشروط وغيرها أقرّها فريق في المذهب الحنبلي واجبة الوفاء إذا ذُكرت في صلب العقد فيكون العقد صحيحا والشرط صحيحا، كما ذكره المرداوي في (الإنصاف) والبهوتي في (الكشاف) وابن قدامة في (المغني) وفي حالة الإخلال بما وافق عليه الزوج من شروط بعد العقد والدخول بالزوجة فإنه يحق للزوجة فسخ العقد. وفسخ العقد معناه ارتفاع العقد بينهما وكأن لم يكن ثمة شيء بينهما ويوجب القاضي على الزوج أن يوقع الطلاق ولا حق له في استرجاع شيء من المهر ولا غيره مما يحق له في حالة الخُلع. فالفسخ في حكم الخُلع إلا أنه لا يحق للزوج استرجاع المهر أو يشرط أي شرط، وإنما عليه إيقاع الطلاق، فأي امرأة اشترطت في صلب عقد النكاح ألا يتزوج عليها، ووافق الزوج ثم أخلّ بهذا الشرط وتزوج عليها فلها حق طلب الطلاق.

والأصل في هذا، أن امرأة اشترطت في عهد عمر بن الخطاب على الخاطب ألا يخرجها من بلدها فوافق عليه ثم أخل بشرطه وتحاكما إلى أمير المؤمنين عمر فحكم للمرأة بما طلبت وفسخ العقد وقال قولته المشهورة: (مقاطع الشروط عند الحقوق..)، وقد وافق الصحابة على رأي عمر فأصبح هذا كالإجماع، والإجماع حجة يؤخذ بها في المسائل الفقهية، وثمة حجة قوية استند عليها الإمام أحمد في وجوب الاستجابة لشرط المرأة وهي قضية ابن مسعود مع زوجته زينب، حيث كان لزينب أمَة شابة في البيت وطلب عبدالله من زينب إما أن تبيع هذه الأمَة لأحد من الناس وتخرجها من البيت أو أن تبيعه إياها. وكان عبدالله بن مسعود لا يرغب في بقاء هذه الأمَة في البيت وهي شابة خشية أن تقع خلوة معها في غياب زوجته. ووافقت زينب على بيعها له وشرطت عليه ألا يبيعها وإذا رغب ببيعها عليه أن يبيعها لزينب نفسها وبنفس الثمن.


ووافق ابن مسعود على هذه الشروط واشترى الجارية. وهذا شرط مخالف لمقتضى العقد ومع ذلك وافق عليه ومعه الصحابة فكان كالإجماع وأصبح الحكم في المذهب الحنبلي أنه يجوز للمرأة أن تشترط بما شاءت من شروط في صُلب العقد ولها الفسخ دون عِوض إن أخلف الزوج لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج» وهذا يعني أن شروط النكاح أوكد منها في البيع والإجارة، وقوله عليه الصلاة والسلام: «المسلمون على شروطهم». إذن يصبح الحكم هو الاستجابة لشروط المرأة لا سيما أن في المسألة إجماعا من الصحابة. فالإسلام أكرم المرأة وما من ظلم وقع عليها إلا وكان وراءه رجل ظالم مستبد أما الإسلام فهو بريء من هذا الظلم وآثاره.

فالمرأة مكفولة، مصروف عليها - حكماً وديانة - واجب النفقة عليها وعلى أطفالها إن كانت حاضنا، ولها مؤخر الصداق - إن اشترطته في العقد - بالقيمة لا بالمثل. فلو كان مؤخر الصداق ثلاثة آلاف ريال قبل نحو عشرين عاماً، وطلقت اليوم فإن لها ثلاثين ألف ريال كما أكد ابن تيمية (الفتاوى) لأن اختلاف الأسعار يؤثر في التماثل. يقول الغزالي المرأة جوهرة مطلوبة، مرفّعة عن سفاسف الدنيا، معزّزة مكرّمة، فلتهنأ شقائق الرجال بحقوقهن التي أقرها الشرع وحفظها ولي الأمر.

* كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com