-A +A
علي بن محمد الرباعي
من يتابع بموضوعية حضور المغردين والكُتّاب في مواقع التواصل الاجتماعي وقيمة ما يطرحون يستطيع أن يفرّق بين المنتسبين لمجتمع الإنتاج، والمنتمين لثقافة الاستهلاك. مجتمع الإنتاج يُدخل الفرد منظومة تقدّس العمل، وتُقدّر الوقت، وترفض الثرثرة، التي كنّا في أزمنة قديمة نرى أنها بضاعة العاطلات من السيدات.

الثقافة الأصيلة تبني وعياً متجذراً، وسلوكاً حضارياً فائقاً، وتعاملاً أخلاقياً حسناً، هناك أجيال تشرّبت المعرفة بالتدرج ولم يكن يخالط معارفهم شوائب أو يشوّش أذهانهم طرح وافد، فكانوا أصلب عوداً في مواجهة الاستلاب الروحي والعاطفي والوطني بخلاف من تربوا على المؤدلج الاستهلاكي والمكرور فلا مخرج لهم من الدوران حول ذواتهم.


لدينا نماذج لكُتّاب ينتمون لعصر وثقافة الإنتاج نلمس في كتاباتهم حسهم الوطني، وثراء تجاربهم، وسلامة منطقهم، وعنايتهم بجوهر الأشياء، خلافاً لمن من تربّوا على القشور والشكليات والأحلام الأممية ممن ضاعوا وضيّعوا بتسويقهم بضاعة الكلام.

لم يكن الإسلام عندما توحّدت بلادنا شكلياً، بل كان قيمة عليا تسندها أخلاق الناس وصدقهم في التوجه نحو بناء الوطن والإحسان لكل من يفد إليه أو يتعامل معه، فمن الذي أخلف الموجة وأفرغ ديننا من القيم وعباداتنا من الروحانية وأشغلنا بإسقاط سلطة قائمة وإنابة متسلّط تجاوزه الزمن بمراحل؟

جيل الكتب ومتصفحو الورق أكثر إيماناً بأهمية الثقافة والتعليم والأدب كونهم رموز مرحلة الدراسة المنهجية في المدارس في زمن كانت الأمية بمعناها الاصطلاحي متفشية إلا أن أمّي ما قبل خمسين عاما أذكى وأنفع من بعض متعلمي اليوم، والبون شاسع بين خريج مدرسة الحياة ومتتلمذ على أيدي الحُواة.

كانت مواقف أسلافنا الوطنية مشرّفة وانتماؤهم نقياً وتوجههم أصيلاً؛ لذا كان «كلامهم مليان». ولم يكن مثقف ذلك العصر سوى منتج معرفة ومولّد أفكار ومصدّر مقترحات وحلول وآراء.

جيل الألواح الإلكترونية جيل أُمّي بالمعنى المعرفي، وما على الراصد سوى تتبع المواقع ليرى هل قدّم أحدهم مقترحاً تبناه مجلس محلي أو بلدي أو مناطقي أو مجلس شورى أو مجمع فقهي أو هيئة كبار علماء؟ لا أظن، فما يطرح من جدل استهلاكي للزمن يقدم نموذجاً للفضاوة العبثية المُعبّرعنها بـ«كلام فاضي».

في زمن الكلام المليان هناك حوار خلّاق ولا مجال للشجار أو الغلط، فهناك احترام للذات وللنسب، واعتبار للقرية والأعراف وقيم القبيلة وللآخر، بينما في زمن الألواح تشاجر وتعارك وقتل بسبب «كلام فاضي».