-A +A
طارق فدعق
كلمة أونطة Avanta تركية الأصل، ومعناها من يحصل على الشيء دون تعب، ولا يتذكر الفضل. ومن يمارسها يصبح «أونطجياً»، ونراها عادة على مستوى الأفراد، وفي بعض الأحيان نشهدها على مستوى بعض الكيانات والدول، ولكن من النادر أن نشهد هذه الممارسة السلبية على مستوى حضارات بأكملها. ولكنها موجودة لمن يبحث في التاريخ، ويسعدني أن أقدم لكم التالي: كان العالم يعاني لفترة طويلة من تلوث مياه الشرب؛ لذا انتشرت المشروبات البديلة وخصوصاً تلك التي تعتمد على غليان المياه أو معالجتها بشكل أو آخر. وفي القرن السادس عشر كانت أوروبا تعاني من تأثير تناول الخمور بدرجة مخجلة. في ذلك الوقت، لم تعتبر البيرة بالذات من المشروبات المسكرة بالرغم من احتوائها على الكحول، وكانت إحدى آليات تخزين وتناول القمح بطرق طويلة الأمد. وكان شرب البيرة منتشراً بطرق عجيبة لدرجة أثرت على إنتاجية العمال. كان من الطبيعي جداً أن يبدأ سكان المدن يومهم من الصباح الباكر بشرب البيرة كإحدى الطرق «لتوفير الطاقة، وتهدئة الأعصاب»... فضلاً تخيل عدد «المساطيل» في كل مكان من الصباح الباكر. والأسوأ من ذلك كان انتشار أماكن تناول البيرة في المدن لطبقات المجتمع المختلفة، فلم تضف إلى رقي التجمعات الفكرية. وفي ذلك الوقت، في جنوب الجزيرة العربية، وتحديداً في مرتفعات اليمن بدءاً من بلدة «مخا» Mocha، تم اكتشاف القهوة، وانطلقت تجارتها شرقاً وغرباً. وكانت إحدى أهم مسارات تحرك السلعة إلى ميناء جدة، ثم الإسكندرية، استعداداً لتوزيعها على مستودعات تجار أوروبا. وبالرغم أنها أثبتت جدارتها كأحد المشروبات التي ارتقت بالمستوى الفكري في العالم بشكل عام، وفي أوروبا بشكل خاص، إلا أنها واجهت مقاومة فكرية شديدة لأسباب عدة، منها الحساسية من منتجات الشرق الأوسط. نظر إليها العديد من المسؤولين نظرة شك بالرغم أنها تفوقت على عادة شرب البيرة الكحولية. ولم يكن تفوقها في صحة ونظافة المنتج فحسب، بل كان أيضاً في نشر أماكن تناول القهوة. وتحديداً في دور «القهاوي» التي ارتقت بالمستويات الفكرية فجمعت الأفكار وصقلتها، بدلاً من أن تجمع «المساطيل» كما كان الحال في دور البيرة. وخلال فترة بسيطة نجحت المؤسسات الأوروبية من خلال زراعة القهوة في مستعمراتها في الشرق الأقصى في كسر هيمنة قهوة الجزيرة العربية ونشر مملكة القهوة الأوروبية. واليوم، لن تجد الاعتراف بهذا التاريخ.

وهناك المزيد، وبالذات من عالم الأدب والفلسفة، ومن أجمل الأمثلة هي قصة «حي ابن يقظان» للأديب الأندلسي أبوبكر بن عبدالملك بن الطفيل. والقصة الفلسفية تدور حول طفل ينشأ في جزيرة نائية خالية من البشر وترضعه ظبية. ويمر بمراحل اكتشاف الذات والعالم. وكانت من الأعمال الأدبية التي ترجمت إلى لغات عدة ومن أشهرها ترجمة القس الأديب البريطاني سيمون أوكلت «حي ابن يقظان: تحسين الإدراك الإنساني». The Improvement of Human Reason. جدير بالذكر هنا أن هذه القصة تم اقتباس محتواها من عدد من الأدباء وأشهرهم البريطاني «دانييل ديفو» في 1719 الذي ألف قصة «روبن سن كروزو».... والمؤلف الأمريكي «إدجار باروز» الذي ألف قصة «طرزان» رجل الغاب عام 1912، وفضلاً الملاحظة أن «طرزان» على وزن «ابن بقظان». وأشكر أخي د.سطام لنجاوي على الإشارة بأهمية معلومة هذا الكتاب. والأخ محمد حلواني على أصل كلمة «أونطة».


أمنيــــة:

قصص اقتباس الاختراعات والإبداعات الإسلامية والعربية كثيرة جداً.... في العلوم، والهندسة، ومختلف مجالات التقنية. وقصص الأونطجية كثيرة في تلك المجالات وغيرها. أتمنى أن نتذكرها وأن نضيف إلى روائع حضارتنا دائماً، فأصولها من نعم الله الرائعة، وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي