-A +A
عبدالرحمن الجديع
تُعد الدبلوماسية الوسيلةَ السلمية التي تنسج خيوط العلاقات السياسية، فهي أسلوب يعتمد الاتصال الرسمي بين الدول، ويتبنى الحوار والتفاوض في النزاعات الدولية.

ما تشهده منطقة الخليج العربي من توتر، يعود إلى العبث الإيراني، وتورط طهران في دعم الإرهاب والفصائل والمليشيات الانقلابية، وانتهاج أساليب مخالفة للقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية؛ حيث تستهدف السفن المدنية وناقلات النفط وتحتجزها، وتهدّد بإغلاق الممرات المائية في وجه الملاحة الدولية، فضلاً عن تخصيب اليورانيوم، وتطوير مفاعلاتها النووية، وهي أمور تجعل من إيران دولة مارقة خارجة على القوانين الدولية.


ولعل مقاربة مشكلة العقوبات الأمريكية على إيران تكشف أنها لا يتعين أن تدار بطريقة العصابات والقرصنة، إنما عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة. وبالرغم من هذه الممارسات الإيرانية الاستفزازية، يقوم وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بجولات يطوف بها على الدول العربية والأوروبية، راسماً ابتسامته التي يخفي وراءها أيديولوجيته ومذهبيته الذي كونت شخصيته منذ أن كان طالباً في ولاية كاليفورنيا وكولورادو ونيويورك، وجهوده الحثيثة في صفوف الطلبة لدعم ثورة الخميني، حسبما ورد في كتابه «سعادة السفير»!

بدأ ظريف زياراته بقطر والكويت، ثم الدول الاسكندنافية. وفي السويد قوبل بمظاهرات صاخبة ضد نظام الوليّ الفقيه، وحمل المحتجون على زيارته لافتات كتب عليها «النظام الإيراني إرهابي ونظام قمعي». السويد بلد مهم وفاعل في الاتحاد الأوروبي وفي أروقة المنظمات الدولية، ولها اهتمامات واضحة في الأمن والسلام في العالم والمنطقة؛ حيث بادرت لعقد لقاء اليمن الأخير، وكذلك النرويج وفنلندا، والدول الأخرى التي على قائمة جولاته مثل فرنسا.

إنّ سعي ظريف لإقناع هذه الدول بأنّ إيران تسعى إلى التفاوض يترافق مع عدة «مبادرات!» لتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع جيرانها، وبالتالي فانه يأمل بتعاطف هذه الدول مع جهوده الدبلوماسية، والضغط على الولايات المتحدة، لاسيما وأنّ الدول الأوروبية تعد شريكة لإيران في الاتفاق النووي، وهناك التزام قانوني وواجب أخلاقي للوقوف مع إيران، والتمسك بالاتفاق ضد إجراءات واشنطن.

ظريف يمارس «الفهلوة الدبلوماسية»، والفهلوية كلمة فارسية تعني باللغة العربية التشاطر، أو التذاكي. بيْد أنّ محاولة الوزير الإيراني الالتفاف على العقوبات الأمريكية سرعان ما سيثبت فشلها؛ بسبب رعونة النظام الإيراني نفسه من خلال سلوكه الأيديولوجي والمذهبي الإقصائي الذي لن يحيد عنه. أضف إلى ذلك أنّ مواقف الدول الاسكندنافية لا تقبل الكيل بمكيالين، أو النفاق السياسي الذي يجسد السياسات الإيرانية وسلوكها «الفهلوي»؛ حيث تشعل النار وتلعب دور الإطفائي. والدول في العالم مطلعة على الألاعيب والممارسات الإيرانية التي تعكس غياب النوايا الصادقة، واعتناق المراوغة في الدبلوماسية، وافتعال الأزمات.

ومع ذلك، فإنّ الحكمة التقليدية تشير إلى ضرورة قيام دول مجلس التعاون الخليجي بالتحرك، واتخاذ إجراءات تصبّ في سياق تكريس زمام المبادرة؛ سواء بالنسبة للعلاقات الثنائية، أو قضايا المنطقة، أو ما تسفر عنه الاتصالات الدولية القائمة.

ولعل من اللافت أن نلاحظ في بعض الصحف العربية التابعة للنظام الإيراني ما يشير إلى أنّ المملكة ودول مجلس التعاون الفاعلة تريد من إيران الانسحاب من لبنان وسورية والعراق واليمن، وأن تغير خطابها السياسي، ونرد على هذه الصحف بالقول نعم إنّ العالم قاطبة يطلب من إيران احترام سيادة هذه الدول، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، والكفّ عن التدخلات السافرة فيها، والامتناع عن خلق الفتن، وبث سمّ المذهبية في نسيجها الاجتماعي. ومعنى ما سبق أنه ينبغي على إيران أن تتصرف كأي دولة طبيعية عضو في الأمم المتحدة.

وكذلك يمكن تنشيط ذاكرة هذه الصحف المنحازة بأنّ دول مجلس التعاون عملت منذ قيام المجلس عام 1981 على إيجاد أنساق للتعامل، وفق ضوابط، مع الجار الإيراني على أساس ثوابت ومبادئ الجوار، واحترام السيادة الوطنية، والالتزام الكامل بالمواثيق الدولية التي تحكم العلاقات الدولية. إلا أنّ إيران تقول الشيء وتعمل فيما بعد ضده.

جملة القول، إنّ طهران بسياستها الحالية مثلها مثل العدو الصهيوني؛ تسعى لتفتيت الدول العربية إلى مناطق نفوذ على أساس عرقي ومذهبي مقيت، حيث يتماثل النهج الإسرائيلي العنصري «الأبارتايد» والتطرف الإيراني الفارسي. وبالتالي فإنّ أي مقاربة حقيقية لا بد أن تلتزم بالأطر والأسس والثوابت التي تحكم العلاقات الدولية. ويتعين في هذا الصدد إعادة التذكير، مرة تلو أخرى، بأنّ سياسة التصلّب والمكابرة والغطرسة و«دبلوماسية الفهلوة» واللعب البهلواني على الحبال، لن تفضي إلى مواقف إيجابية مقبولة.

وفي حال أدركت إيران خطورة ممارساتها العبثية، ومأساوية سياساتها المخالفة للقوانين الدولية، فلربما يسفر ذلك عن انفراجات حقيقية تفضي إلى صياغة توافق يؤدي إلى تفاهمات تنزع فتيل التوتر في هذه المنطقة الحيوية التي لن يهدأ العالم ما دامت مشتعلة!

* كاتب سعودي