-A +A
طارق فدعق
لو تأملت في أعظم الإنجازات الهندسية فأكيد ستفكر في منتجات معقدة.. طائرات، وصواريخ، ومكائن ضخمة، ودوائر كهربية ذكية.. ولكن من النادر أن يمر على بالك الحُق، أي العلبة المعدنية المصنوعة من الألمونيوم. فضلا تأمل في عدد «الجغمات» التي أخذتها هذا العام من الأحقاق (جمع حُق).. و«الجغمة» طبعا هي الرشفة، ومقدارها لا يتعدى حوالى 50 ملليليترا من السوائل، أي ما يمكن احتواؤه في حجم تفاحة صغيرة. وفضلا تأمل في الروائع الهندسية لتلك العلب. ولنبدأ بالكمية: ينتج العالم حوالى 200 ألف مليون علبة مشروبات معدنية سنويا.. يعني حوالى 6700 علبة في الثانية. ولكن المذهل ليس فقط في العدد. كل «حُق» هو عبارة عن تحفة تستحق وقفة إعجاب لأنه لا بد أن يلبي العديد من الشروط وأهمها:

1 - القوة.. لكي لا ينفجر كما هو الحال في بعض الأواني الزجاجية، وللعلم فيمكن لعلبة المشروبات الغازية المغلقة أن تتحمل وزن إنسان عادي، وفضلا لا تجربها وتلومها على هذا المقال.


2 - خفة الوزن لسهولة النقل، وللعلم فوزن العلبة فارغة لا يتعدى حوالى 13 جراما، وهو ما يعادل وزن حوالى 200 ريشة دجاجة.

3 - مقاومة الصدأ والتآكل من الداخل والخارج.

4 - المحافظة على النكهة، والطعم، واللون، والضغط للمشروبات الغازية.

5 - سهولة التصنيع، وانخفاض تكاليف الصناعة، وسهولة استنساخ العلبة، وللعلم فسمك معدن الألمونيوم المستخدم لا يزيد كثيرا على سمك ورقة الجريدة التي تقرأها الآن.

6 - تحمل الضغط الداخلي الذي ممكن أن يصل إلى ما يعادل 3 أمثال الضغط بداخل كفرات سيارتك، وللعلم فهذا الضغط بداخل الحق هو أحد أسرار قوته.

7 - مقاومة التغيرات في الحرارة طلوعا ونزولا.

8 - سهولة التغليف والتعبئة والشحن.

9 - سهولة الطباعة على الغلاف الخارجي لإظهار وتثبيت الألوان والأشكال والحروف، وفضلا تأمل في جمال الطباعة على العلب.

10 - طول فترة صلاحية المنتج بداخل الحق، وللعلم فهي أطول بكثير من الفترة المكتوبة على أسفلها رسميا.

11 - الحجم السهل للمناولة باليد، والرص بداخل الكراتين.

12 - النظافة، ومقاومة تراكم الأوساخ على الخارج، ومقاومة دخول الجراثيم للداخل، وفضلا الملاحظة أن «رقبة» الحق محكمة بطريقة تضمن النظافة دائما.

13 - سهولة إعادة تدوير الحق بعد الانتهاء من استعماله، وهذه إحدى روائع خصائص الألمونيوم.

14 - مقاومة «التخبيط»، و«الطيحات»، والضغوط الخارجية والتي تصل إلى ما يعادل حوالى 40 مثل قوة الجاذبية.

وهذا المنتج تم تطويره عبر فترة أكثر من 100 سنة. وتم إضافة مئات التحسينات من هنا وهناك لإشباع الطلبات الدقيقة المذكورة أعلاه. وللعلم، فهناك مقاسات مختلفة وأحجام مختلفة حسب المنتج، وحسب أقاليم العالم... يعني شغل متعوب عليه من كافة جوانبه الفنية، والسلوكية، والاقتصادية. وأما بالنسبة للتغليف الداخلي فهو قمة الإبداع. لاحظ أن معدن الألمونيوم الذي تصنع منه العلب ليس له رائحة، أو نكهة، أو لون أو طعم ولا يؤثر على المحتوى. والسبب هو ذكاء التغطية الداخلية التي تختلف حسب المحتوى. متطلبات عصير الطماطم تختلف عن المشروبات الغازية، وعن المياه الغازية، وعن مشروبات الطاقة، وغيرها... ويوجد حاليا ما يفوق العشرة آلاف مادة مختلفة للتغطية الداخلية لضمان جودة المنتج.

أمنيــــــــة:

ليس بالضرورة أن يكون الإبداع الهندسي من الخصائص المقرونة بالتعقيد، فبعض من أبسط المنتجات تذهلنا بتفاصيلها، والحُق على رؤوسها. أتمنى أن نستكشف روائع النعم التي نعتقد أنها من أبسط المنتجات بالرغم من عبقرية تصميمها بلطف الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي