-A +A
أنمار مطاوع
ما يميز (الحرية) دائماً هو توازنها الكبير مع (النظام).. إذا اختل هذا التوازن، تزول المتعة عنهما ويفقد كلاهما قيمته الحقيقية.

(منى.. الآن). تحت رسالة واتساب تحمل هذا العنوان أُرسل مقطع فيديو لمخيم في (منى) وهو يحترق.. قبل يوم واحد من بداية شعائر الحج! بغض النظر عن ضعف المهنية في ذلك الخبر من كل الجوانب، ورداءة تغطيته، وتشوهه صحفياً.. هو من أسوأ الرسائل التي يمكن أن تنشر خلال تلك الفترة.. رسالة خطأ في وقت خطأ ومكان خطأ. الحديث ليس عن هذه الرسالة تحديداً.. ولكن عن هذا النوع من رسائل (صحافة المواطن) بشكل عام.. فمثلها كثير.


لو توقفنا قليلاً عند نوعية هذه الرسائل بسؤال تقليدي: (لكل رسالة هدف: ظاهر وباطن، مقصود وغير مقصود، مباشر وغير مباشر.. فما هو الهدف من مثل هذه الرسائل؟) بالطبع دون الدخول في النوايا والتشكيك في الذمم -على افتراض أن من أرسلها ومن نشرها يتمتع بحسن النوايا-، لخرجنا بنتيجة مباشرة مفادها: (الهدف هو: أنا بطل هذه القصة كلها.. أنا شاهدت.. وأنا حضرت.. وأنا نقلت لكم الحدث..). مثل هذه الرسائل ينشرها صاحبها لمجرد إثبات حضور فقط (كنت هناك.. وشاهدت لك)، شعور بالفخر والأفضلية بأنه شهد على الواقعة.. ويتبعه من يعيدون نشرها، بنفسيّة (عرفنا قبلك). بغض النظر عما يلحق بالرسالة من تداعيات.

وسائل الإعلام التقليدية؛ خصوصاً الصحافة الورقية بصفتها أقدم الوسائل، لديها تقاليد إعلامية عريقة كوّنتها خلال قرون من التجارب والخبرة في المجال الإعلامي وخدمة المجتمع. فوضعت القواعد التي يُبنى عليها الإعلام الهادف ككل. من تلك القواعد: (المسؤولية الاجتماعية). أي أبعاد نقل الحدث: السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وتداعياته اللاحقة. ويمكن هنا إضافة هامش صغير مفاده أن ضمور الصحف الورقية وتركها تعاني الأمرين يعني مباشرة تهميش قوانين الصحافة والإعلام في الدولة والمجتمع ككل. الصحافة الورقية هي الحصن الأخير للمسؤولية الاجتماعية الصحفية. وهذا ما يتميز به الصحفي المهني عن غيره. فالصحفي غير المهني يفتقد (حس المسؤولية الاجتماعية)، وهو تحديداً ما يحتاجه إعلام وسائل التواصل الاجتماعي أو إعلام صحافة المواطن.

الهدف ليس النشر لمجرد الإحساس بالبطولة الوهمية.. هذا قمة عدم المهنية.. كمن يعتقد أن مهارة القيادة هي السرعة والتجاوز والتحايل على النظام.. وفي الحقيقة، مهارة القيادة تكمن كلها في القدرة على اتباع النظام المروري بدقة. الهدف من النشر وإعادة النشر يجب أن يأخذ في الاعتبار كافة التداعيات من منطلق (المسؤولية الاجتماعية) بشكلها الصحيح حتى لا يختل التوازن بين الحرية والنظام.

* كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com