-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
أيام وتبدأ استعدادات العام الدراسي الجديد، وبطبيعة الحال سيكثر الحديث عن جاهزية كل شيء : المباني والصيانة والمستلزمات والكتب، إلا أمرا واحدا لا أحد يفكر فيه ولا يشغل حيزا من الاهتمامات حتى من الأسرة، ألا وهو تهيئة الطلاب والطالبات، لذا فالسؤال الافتراضي: لماذا يكره الكثيرون من أبنائنا وبناتنا المدرسة، وإن أرادت الوزارة والإدارات التعليمية رصد الحالة بجدية للتعامل معها كأساس مهم للتغيير والتطوير، عليها أن تستطلع الرأي بوسائلها ولو عبر شبكات التواصل بسؤال بسيط ومحدد: هل تحب المدرسة أم لا؟ ولماذا ؟ وعلى ضوء النتائج تتحرك بخطة حقيقية لتعزيز الإيجابيات وعلاج السلبيات.

إهمال هذا الجانب مصدر غرابة والأغرب منه استمرار هذا الحال التربوي والتعليمي الذي يفترض أن يبدأ بالإنسان وهو الطالب والطالبة، وكأنهم الحاضر الغائب، رغم أنهم الهدف من كل الاستعدادات والاستنفار الأسري والمدرسي مع بداية كل عام دراسي، والنتيجة أنهم يستهلون دراستهم وكأنهم يساقون إلى المدرسة زمرا وفرادا وإيقاظهم غصبا بعد إجازة يتمنون لو طالت أكثر، ليستمروا على راحتهم، نهارهم ليل وليلهم سهر.


هذه الحالة ظاهرة عامة للنفور المتجدد الذي ينامون ويستيقظون معه، والفارق كبير بين إحساسهم أول الأسبوع الدراسي ونهاية يوم الخميس حيث الإجازة، بينما في دول العالم المتقدم يحبون مدارسهم والتعلق بها حتى في أيام الإجازة، ورغم طول اليوم الدراسي الذي قد يمتد إلى السادسة مساء ويزيد، يقضي الطلاب يوما كاملا ممتعا من المسؤولية وحب العلم وتجاربه والفصول التفاعلية والأنشطة والترفيه، وليسوا جلوسا في فصولهم حتى يأتيهم التلقين ومأمورين وليسوا متفاعلين إلا قليلا، ولا حوار إلا صدفة حسب المعلم والمعلمة، ولا حصانة من توبيخ وربما إهانة وانتقاص، وربما لمز وغمز على الطالب أو الطالبة ومن رباهم.

قبل أيام شاهدت مثل الكثيرين إعلانا ترويجيا ليس جديدا عن حقائب مدرسية، تستدعيه الذاكرة الأليمة من جانب البعض عن حال اليوم المدرسي عندنا حيث يكشف مثبطات أسرية ومدرسية منذ لحظة الاستيقاظ باكرا بالصياح والعنف وصولا إلى غياب الأسلوب التربوي في المدرسة، ويجيب هذا المشهد على جوانب من السؤال الحائر: لماذا يكرهون المدرسة؟

في المقابل شاهدت إعلانا تحاريا أمريكيا عن اليوم المدرسي يحفز الإرادة الذاتية للطلاب والطالبات فينطلقون إلى مدارسهم بحب وتسابق وانشراح. لذا أتصور أن السؤال عن المأزق الذي يعيشه كثير من الأبناء لدينا يعكس خللا تربويا عاما ينفّر من المدرسة، التي بدورها تكمل القصة مع حجم الضغوط التي يعيشها أبناؤنا وبناتنا منذ باكر كل يوم وحتى العودة.

مظاهر الخلل عديدة ومزمنة لا تستقيم معها التربية والتعليم في مراحل عمرية هي الأهم في البناء النفسي والعقلي والسلوكي وحتى في قيم وأخلاق الحياة التي تخصص لها مدارس اليابان مثلا كامل المرحلة الابتدائية فيشب عليها الفتيان والفتيات، ولهذا يحبون العمل والانضباط مثلما أحبوا المدرسة وذاكرتهم عامرة بكل شيء جميل، وليس التلقين والخمول الذي يلف أذهان الكثير من أبنائنا، وكأن المدرسة كما يقول المثل (لابد مما ليس منه بد) مهما استشرت فوضى الوقت والرتابة اليومية وعدم الإعداد النفسي والذهني، مما يستلزم أن تقوم الأسرة بتجهيز أبنائها وبناتها للعودة للمدرسة بروح ونفسية محبة للدراسة والمدرسة كما يلزم أن يقوم المعلمون بتهيئة الطلاب والطالبات في الأسبوع الأول للدراسة للعودة للمدرسة بحب للعلم والبيئة المدرسية وفق برنامج ترفيهي حماسي يشعرهم بأهمية العلم وأنه طريق المستقبل لحياة جميلة. كما يجب علي الأسرة البدء أسبوعا قبل بدء الدراسة بمساعدة أبنائهم علي الاستعداد للنوم مبكرا وتحفيزهم للنظر بأهمية المدرسة وأنها طريقهم للمستقبل، لعل التذكير بسلبيات هذا الواقع قد يغير شيئا ولو بصيص أمل يحرك ساكنا ويتغير السؤال: كيف يحب أبناؤنا المدرسة؟!.