-A +A
محمد بن سليمان الأحيدب
لكي تنقل حاجاً مريضاً واحداً من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة أو بين المشاعر داخل مكة المكرمة، فإن هذا يحتاج إلى جهد كبير ومتطلبات معقدة تشتمل على سيارة إسعاف مجهزة تجهيزاً كاملاً بما يشبه غرفة العناية المشددة، وطاقم مسعفين (PARAMEDICS) وممرضة، وأحياناً طبيب متخصص في الحالة، وكمية كافية من الغازات الطبية تكفي لرحلة طويلة وزحام سير بين المشاعر ومكان مجهز في كل مشعر ومنسك ليتم مناسك حجه.

تلك كانت احتياجات حاج مريض واحد، فما بالك بمئات الحجاج المرضى ينقلهم أسطول كامل من سيارات الإسعاف مجهز بكل ما ذكر وفي وقت محدد وإلى مكان محدد وبين ما يقرب من مليونين من البشر، ذلك جهد عظيم خارق غير مسبوق، بل لا يمكن أن يقلده أو يكرره أحد؛ لأن المناسبة واحدة لا مثيل لها والتجربة فريدة لا تتكرر إلاّ هنا سنوياً، ومثل هذا العمل الإعجازي الفريد يفترض أن ينقل على الهواء مباشرة لجميع أنحاء العالم وعبر كل القنوات الفضائية الحكومية والتجارية المحلية والعالمية، ويفترض أن تدعى القنوات المتلفزة العالمية الإخبارية الشهيرة لتغطيته كحدث فريد نادر، حتى لو بمقابل ليطلع عليه العالم ويعجب منه ويعجب به.


أعلم أن بلادي المملكة العربية السعودية تبذل كل هذه الجهود وأعظم منها خدمة لحجاج بيت الله وطلباً لرضا الله، ولا تنتظر من أحد لا جزاء ولا شكوراً، وإنما أجرها على الله ودوام نعمها ونصرها وتوفيقها من حسن عملها ونواياها، لكن إطلاع الناس على مثل هذه الخدمة النعمة هام جداً، فلك أن تتخيل مشاعر حاج كان يقيم في بلد فقير وجمع كل رزقه وشقاء عمره ليحج ثم وصل ومرض فظن أنه لن يتم الحج ثم فوجئ بأنه سينقل بكامل أجهزته ووسائل رعايته صحياً بسيارة إسعاف ودون مقابل ليكمل حجه، فأي سعادة وأي فرحة له ولأهله الذين يتابعونه، وأي امتنان لكل شعوب العالم لمن حقق له هذه الخدمة المجانية؟!.

للأسف هذا الإنجاز لم يُغَطَّ إعلامياً كما يجب، باستثناء مقاطع فيديو لـ«عكاظ» و«سبق» وبعض الصحف الإلكترونية، واهتمام مشترك بين «عكاظ» ووزارة الصحة (لا علاقة لكوني عكاظي القلم ولكن شهادة لله)، بينما أستغرب أن قناة السعودية SBC كانت أثناء تفويج المرضى تبث تمثيلية أو مسلسلاً! وقنوات آخرى تجري حوارات مع مسؤولين حول الحج لكن لم تنقل الحدث!.

ذلك الإنجاز كان جهداً وطنياً مشتركاً، شاركت فيه جهات حكومية عدة، وشباب سعوديون بعضهم متطوع لوجه الله، إلاّ أن القطاع الصحي الخاص غائب عن كل مسؤولية اجتماعية، فليتنا نحاسبه على ما يأخذ دون عطاء.

* كاتب سعودي