-A +A
فيصل عبيد العيان
• منذ انتهاء الحرب الكورية ظلت الولايات المتحدة تراقب في توجس وقلق نمو الآلة العسكرية في كوريا الشمالية المدعومة من الاتحاد السوفييتي والصين طوال فترة الحرب الباردة.

• مارست واشنطن عددا من أساليب الضغط على كوريا الشمالية عبر حصارها سياسيا واقتصاديا.


• وبعد وفاة الزعيم الشمالي كيم ايل سونج واصلت بيونج يانج نشاطها النووي والصاروخي بل توسعت في صفقات مبيعات الصواريخ في منطقة الشرق الأوسط.

• البعض يشكك في رغبة الصين وروسيا لحل الأزمة الكورية، لكن بقاء القضية ملتهبة يوجد الذرائع لأمريكا لتعزيز وجودها في المنطقة عسكريا وهو ما لا تريده كل من بكين وموسكو.

عوامل عدة أدت معا لإحداث تغيير في موقف كل من كوريا الشمالية والجنوبية لتقتنعا معا بضرورة الطرق الدبلوماسية والحوار، فضلا عن عوامل أخرى جعلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يغير طبيعة التعاطي مع وضع بيونج يانج ويستدير مئة وثمانين درجة في اتجاه المفاوضات.

الأطراف الثلاثة الفاعلة تعي جيدا أن تكلفة الحرب في ضوء القدرات العسكرية المتاحة مدمرة وخطيرة ليست فقط لسيؤول وبيونج يانج بل لجميع الدول المحيطة بالكوريتين. ولو تصورنا احتمالية نشوب الحرب، بالتالي لا يمكن للصين أو كوريا الشمالية التخلي عن الآخر، فالعلاقة بين البلدين تجعلهما يعملان معا ضد أي قوة خارجية تهدد التواجد والتحالف السياسي الاقتصادي وهو ما لا تجهله أمريكا في تقديراتها السياسية والعسكرية.

خيار واشنطن الآخر والذي كنا نسمع تداوله هو أن إسقاط نظام بيونج يانج من الداخل بأي طريقة، يعد استراتيجية محفوفة بالمخاطر في ظل الرفض الصيني الروسي لهذا الخيار ودعمهما لنظام كيم، ولو تصورنا احتمالية اندلاع حرب أهلية أو تغيير في القيادة المركزية سيكون من الصعب تأمين ترسانة بيونج يانج النووية، فليس لدى الجيش الأمريكي إمكانية التوغل إلى كوريا الشمالية، وتفكيك الأسلحة النووية أو ضمان عدم سقوط الأسلحة بيد أي مجموعة إرهابية أو طرف ثالث معادٍ. ومن ثم أصبح من الضروري لواشنطن الآن والدول المحيطة عدم إسقاط نظام بيونج يانج بل التفاوض والحوار معه لإيجاد مخرج آمن لمشكلة الملف النووي لكوريا الشمالية.

وجود الصين كطرف فاعل في المعادلة التي تربط الأطراف الثلاثة أصبح ضروريا لتحقيق حالة من التقارب الدبلوماسي وتخفيف التوتر الحاصل في المنطقة، بل إن نظام كيم قد يرضخ لضغوط بكين للتخلي عن ترسانة الأسلحة النووية. لكن الصين لا ترغب أن يكون التقارب بين الكوريتين مع أمريكا مخالفة لمصالحها، هي فعلا لا تعارض قيام وحدة قومية كورية في شبه الجزيرة، إلا أنها لن تقبل بقيام وحدة وفقا للشروط أو المصالح الأمريكية، أي باستدراج كوريا الشمالية على نحو يضمن السيطرة الأمريكية الكاملة على شبه الجزيرة وتكرار نموذج الوحدة الفيتنامية، السيطرة هنا تعني تشكيل حزام لحصار شديد على الصين تشمل سنغافورة والفلبين وتايوان وفيتنام واليابان والكوريتين.

هناك أيضا ترحيب روسي معلن بالتقارب بين الكوريتين، إلا أن موسكو لم تتخلص من مخاوفها بشأن امتداد النفوذ الإمريكي إلى كوريا الشمالية التي ظلت حليفا تاريخيا لها خلال فترة الحرب الباردة. ويطالب الرئيس الروسي بوتين بعودة المحادثات السداسية والتي شاركت فيها روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى جانب الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، كما يطالب أيضا بضمانات دولية ملزمة قانونيا في حال الوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي يضمن سيادة كوريا الشمالية.

ومن ناحيتها عارضت إيران خطوات التقارب الأمريكي الكوري الشمالي خشية أن يؤدي إلى تباعد العلاقات الاستراتيجية بين طهران وبيونج يانج، ما سيحرم إيران من الدعم التقني والتكنولوجي الذي اعتمدت عليه في بناء منظومتها النووية والصاروخية. ومن ثم ستخسر إيران حليفا مزعجا للسياسة الأمريكية وتصبح وحيدة في مواجهتها مع واشنطن، وفي بؤرة الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي والدول الغربية على وجه العموم حيث ستترسخ قناعة أوروبا وأمريكا بأن الاستمرار في ممارسة الضغوط سوف يجبر الطرف الآخر على الاستسلام وتقديم التنازلات للطرف الأقوى، وبالتالي تخسر طهران معركتها في شأن استدامة الاتفاق النووي وتخضع للمطالب الأمريكية وتحد من قدراتها العسكرية والصاروخية، وبالتالي تحجم عن تدخلاتها المستمرة في قضايا الشرق الأوسط.

من هنا تتضح مدى صعوبة المضي قدما بشأن زيادة التقارب بين الكوريتين مع تعارض المصالح الدولية وصراع النفوذ بين القوى ذات المصالح في المنطقة، الأمر الذي يؤكد أن شكل التسوية للصراع في شبه الجزيرة الكورية سيتوقف أساسا على تحقيق التوازن بين مختلف الرؤى المتعارضة وبناء الثقة بقرارات واشنطن، وإن كانت هناك تسوية فلن تكون قريبة بالإطار الزمني الذي يتصوره البعض.

والسؤال الذي يطرح اليوم من طرف بيونج يانج هو من يضمن لهم أن الاتفاق مع ترامب يبقى ساري المفعول في حال خسر الانتخابات، ومن يضمن لهم أن الرئيس المقبل لن يعود إلى التصعيد مرة أخرى أو يرفع سقف مطالبه كما فعل الرئيس الحالي.

* نائب رئيس أكاديمية ربدان‏