-A +A
عبدالرحمن الجديع
بات من الواضح في الآونة الأخيرة أنّ المواجهة العسكرية الأمريكية الإيرانية أمر مستبعد؛ اعتماداً على التصريحات المتبادلة والجهود المبذولة من قبل طهران لفتح قنوات تواصل مع الإدارة الأمريكية عبر حلفائها في المنطقة وخارجها، والتي تعكس رغبة الطرفين في تفادي الحرب ما لم ترتكب إيران حماقة جديدة تعيد ملف المواجهة العسكرية إلى الطاولة.

ولعل اللقاء الطارئ في فيينا يوم الثامن والعشرين من الشهر الماضي بين الدول الموقعة على الاتفاق النووي وإيران يدخل في إطار إنقاذ الاتفاق، وربما البحث عن صيغة ترضي الولايات المتحدة، عبر إضافة بروتوكول ملحق يلبي المطالب الأمريكية فيما يخص تطوير البرنامج النووي، أو وضع قيود على برنامج الصواريخ الباليستية، أو دعم إيران المليشيات الإرهابية، لضمان رفع العقوبات الأمريكية الاقتصادية المفروضة.


وريثما تتوصل الأطراف إلى صيغة مرضية، ستظل إمدادات الطاقة وأمن الملاحة تواجه تحديات خطيرة. وتدرك طهران أنّ هذا العمل سيسهم في تكثيف الضغوط على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، خصوصاً إذا ما أمعن نظام الملالي في تهديداته بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم فوق مستوى 3.67 بالمئة.

هذا العبث الإيراني، يشمل البر والبحر، فقد استهدف السفن المدنية وناقلات النفط وحجزها، ومارس العربدة في الممرات الإستراتيجية البحرية، ما أدى إلى تأجيج حالة التوتر في المنطقة، ويرجح في حال استمرار هذا الوضع المأزوم أن تتكبّد الشركات الناقلة خسائر فادحة، علاوة على ارتفاع أسعار النفط، وهذه في مجملها لها ارتدادات سلبية على تكلفة التأمين على السفن. أضف إلى ذلك أنّ ارتفاع كلفة الخسائر يثير التساؤل حول المسؤولية الدولية التي تقع على عاتق إيران من حيث إجبارها على دفع التعويضات المتصلة بتصرفاتها المباشرة أو غير المباشرة.

ومع أنّ بعض الكتاب تناول موضوع المسؤولية الدولية، إلا أنّ هناك، كما يبدو، خلطاً بين مفهوم الشرعية الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة وأجهزتها وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي ومقتضيات ميثاقها، وبين المسؤولية الدولية المتصلة بالالتزام الأخلاقي والأعراف الدولية، وهو أمر تتم مناقشته ضمن جدول المحافل الدولية بشكل مستمر، سعياً وراء إيجاد آلية تحكم المخالفات والاعتداءات التي تُرتكب من قبل الدول أو المنظمات الدولية.

وهنا يمكن القول إنّ أية أضرار ناجمة عن التصرفات الإيرانية يقع على طهران الالتزام بمبدأ المسؤولية الدولية تجاهها، بصرف النظر عن مدى مشروعية التصرفات أو عدم مشروعيتها. واستطراداً، فإنّ هذه المسؤولية ذات بعد دولي يرتبط بكون الدولة عضواً في المجتمع الدولي، وعليه فإنّ لكل دولة عضو مسؤولياتها التي يترتب عليها حقوق وواجبات، لذا فإنّ عدم قيام إيران بواجباتها والتزاماتها، يُوجب على المجتمع الدولي عبر وسائل مختلفة إكراهها ودفعها للتقيد بتلك الالتزامات، وفقاً للأعراف والقوانين الدولية، وإجبارها على دفع تعويضات عن تلك الخسائر، والكفّ عن تهديد أمن الطاقة والممرات الإستراتيجية.

إنّ موضوع حماية الملاحة الدولية يمس في الصميم أمن المنطقة واستقرارها، واستمرار طهران في القرصنة وسلوك العصابات يخالف التزاماتها الدولية، ما يجعل إيران دولة مارقة على القانون والأعراف الدولية. ولعل هذه التصرفات الهوجاء من قبل النظام الإيراني هو ما دفع كثيرا من الدول للمناداة بضرورة تخلّص النظام في طهران من عقلية الثورة وممارساتها التدميرية، والانتقال إلى منهجية الدولة والتزاماتها، بحيث تكون دولة طبيعية أسوة ببقية الدول الأعضاء في الأسرة الدولية، والامتثال لمقتضيات الأعراف والقوانين التي تحكم العلاقات الدولية ومتطلبات الإرادة الدولية الجماعية والتوقف عن سياسة اللعب بالنار، والابتعاد عن إثارة العواصف السياسية الدولية، وتتجنب الانغماس في ممارسات طائشة قادت مصائر الكثير من الشعوب إلى التهلكة؟

* كاتب سعودي