-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
العديد من جامعاتنا تطورت كثيرا وتعزز ذلك بالتعاون والتنافس العلمي مع جامعات متقدمة في العالم، وهذا أمر بات واضحا في ما حققته من خطوات جادة في ذلك، لكن لنتذكر أن جامعاتنا الأوليات بتاريخها العريق قامت على عقول وجهود أجيال من الأساتذة الأكاديميين والقياديين الذين بذلوا الكثير، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، لكن هذه الثروة البشرية العلمية لا تزال خارج الاستثمار الحقيقي.

صحيح أن التقاعد الوظيفي مرحلة طبيعية في حياة الإنسان لكنه بالنسبة لأساتذة الجامعات خاصة التخصصات المطلوبة ليس هكذا، بأن ينتهي دورهم الوظيفي دون استفادة ممتدة منهم في التوسع الجامعي والحراك التنموي، فالتقاعد وإن كان ختاما لمشوار وظيفي لكنه ليس نهاية دور هذه النخبة على مختلف تخصصاتهم، ومن الصعب بل من الخسارة الكبيرة أن يساوي التقاعد بينهم وبين وظائف أخرى يفيدها حتى التقاعد المبكر الذي تتيحه جهات حكومية عديدة لأسبابها ومنها متغيرات التحول الرقمي.


الأساتذة ثروة بشرية وطنية تمثل رصيدا ذا قيمة علمية كبيرة لجامعاتهم ولغيرها من الجامعات، خاصة أن لدينا العشرات منها حديثة النشأة الحكومية منها والأهلية، وتبحث عن خبرات في تخصصات عديدة، فلماذا لا تتجه للاستفادة من الأكاديميين الذين تقاعدوا بخبراتهم العلمية المتراكمة ولايزال لديهم القدرة على العطاء العلمي، وليس بالضرورة التفرغ والدوام اليومي، إنما بشيء من المرونة، والاستفادة من الأنظمة الإلكترونية الجامعية، وهذا حاصل في العالم مع العقول العلمية متجاوزة مسافات الجغرافيا.

إن التقاعد وبهذا الوضع القائم دون رؤية وآليات للاستفادة منهم، يحرم النخب العلمية من العطاء، في الوقت الذي نجد فيه معظم الجامعات تتعاقد مع أساتذة من الخارج وتتكلف أعباء مالية خيالية، خاصة أن الجامعات الناشئة بحاجة إلى هذه العقول السعودية وخبراتها العلمية التي لا تتعارض مع أهمية دور الشباب من أبناء الوطن.

من هنا نتمنى أن تبادر كل جامعة بخطوة نحو متقاعديها، فهم رصيدها العلمي الذي يمكن أن تغذي به صروحا علمية واقتصادية في بلادنا وأن تفتح آفاقا وتمد جسورا للتعاون البحثي والاستشارات من خلالهم، ونتمنى الخطوة الأكبر من وزارة التعليم في هذا الاتجاه بإنشاء قاعدة بيانات للأساتذة السعوديين في كافة الجامعات وتخصصاتهم ومراحلهم العمرية، ومن دخلوا مرحلة التقاعد، وترتبط بها الجامعات بهذه القاعدة، وأن تبادر الوزارة برؤية للاستفادة من هذه الخبرات أكاديميا وتنمويا ومجتمعيا، بدلا من تركها هكذا على قارعة الإهمال والنسيان، فالعلم لا يتقاعد بتقاعد صاحبه، والوسط الأكاديمي والاقتصادي هو من يجب أن يستثمر هذه العقول، وليست هي التي تبحث عن فرص للعطاء العلمي. لذا نتمنى أن تحرك الوزارة والجامعات ساكنا في هذا الأمر.

هذا حال الثروة العلمية الوطنية مع جامعاتنا التي ليس لديها بعد رؤية ولا آلية ولا رغبة في استثمار هذه العقول، وأيضا قطاع الأعمال الذي هو الآخر لم يوجه بوصلته نحو ذلك، رغم اتساع مجالات الاستثمار والمشاريع ونشوء اقتصاديات لاغنى لها عن الاستشارات والتخطيط، كما هو حاصل في العديد من الدول المتقدمة التي تحرص على استثمار علم وأبحاث وخبرات الأساتذة والباحثين، ويبادرون بتمويل ودعم مراكز الأبحاث التي تفيدها في كافة التخصصات لصالح مشاريعها وتبني عليها قراراتها، وتستفيد منهم حتى في إدارة المنتديات والمؤتمرات والمحاضرات المتخصصة. فهل من بادرة في هذا الاتجاه؟.

* كاتب سعودي