-A +A
محمد الساعد
خلال جنازة العاهل الأردني السابق الملك حسين بن طلال العام 1999 التقى نايف حواتمة المناضل الفلسطيني الشهير والقائد العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين - إحدى فصائل منظمة التحرير المسلحة - مع «عايزرا وايزمن» وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، كانت لحظة تاريخية أن يتصافح «العدوان اللدودان» مع بعضهما البعض، لقد وقف حواتمة مع الإسرائيليين جنباً إلى جنب في الجنازة الكبيرة. يا لها من صورة.

لم يتأثر الشارع الفلسطيني أبداً بتلك المصافحة المدوية، لم تحرق صور حواتمة في شوارع رام الله، ولم يبصق أحد على جدارياته في غزة، لم يعتبر أحد من عرب الشمال أن تلك خيانة للقضية، ولا تفريط في القدس، ولا أن نايف حواتمة كان ينسق مع «صهر كيلنتون»، بل اعتبرها المناضلون المخادعون من ضمن «فقه فلسطيني» يقول: «يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم»، وهكذا أصبح ذلك الفقه سياسة وخطاً شعبياً في النضال الفلسطيني، «نضال للتصدير والتكسب فقط».


لم تكن تلك المصافحة الأولى بين قائد شعبي فلسطيني، إذ سبقها مصافحة وأحضان واتفاقات موثقة بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات مع الإسرائيليين في اتفاق أوسلو الشهير وما تبعه.

تسامح الفلسطينيين في التواصل والتعامل مع الإسرائيليين وصل لحد قبولهم العمل داخل الجيش الإسرائيلي والإذاعة والتلفزة والانخراط في العمل السياسي وقبولهم الجنسية الإسرائيلية وتشكيل الأحزاب والترشح للكنيست، والحديث بالعبري في البرلمان والشوارع والأماكن العامة، بل إن الأمر لم يقتصر على ذلك إذ يحصل أئمة ومؤذنو المساجد داخل إسرائيل على رواتبهم من وزارة الأديان الإسرائيلية، وفي كل خطبة جمعة يقوم الكثير منهم - بعدما يتأكد من إيداع راتبه في حسابه البنكي - بشتم السعودية وقيادتها متهماً إياها بالخيانة.

جورج حبش الفلسطيني قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يُعد مهندس العداء الفلسطيني وعرابه للسعودية والسعوديين، وقف طوال عقود في الجهة المضادة والمحاربة للرياض وقيادتها، لقد وصف في لقاء تلفزيون شهير السعوديين بأنهم محور الرجعية والوكلاء رقم اثنين للإمبريالية العالمية، وهو مصطلح استخدم بكثافة من الإعلام المعادي للسعودية في الستينات والسبعينات والثمانينات إلا أنه سقط بعدما فقد مصداقيته وبريقه ومعناه.

ليس ذلك موقفاً إعلامياً من جورج حبش وحسب، بل قام بتنفيذ عمل عسكري ضد الرياض ومصالحها عندما رعى «عملية فينا» الشهيرة التي اختطف فيها وزير البترول السعودي الأسبق أحمد زكي يماني ورفاقه من وزراء نفط مجموعة الأوبك وهدد بقتلهم ونقلهم رهائن تحت تهديد السلاح إلى الجزائر في عملية الهدف منها التأثير على القرار السياسي والاقتصادي السعودي.

غسان كنفاني الكاتب والصحفي الفلسطيني قال عن السعودية التي قطعت النفط عن الغرب وأمدت جيوش مصر وسورية والمنظمات الفلسطينية بالمال والسلاح لتحرير الأراضي العربية المحتلة «إنها وراء كل خيانة، وإذا وقعت خيانة في أي مكان فابحثوا عن السعودية»، لم يكتفِ كنفاني بذلك، بل جعل من مقالاته العديدة مسرحاً للهجوم وكيل التهم المزيفة التي صنعها اليسار وصدقها وروجها ضد الرياض.

اليوم يعيد «الفلسطيني الإسرائيلي» عزمي بشارة إنتاج نفس الأدبيات العدائية للرياض وقيادتها وشعبها بدعم وتمويل من قطر هذه المرة بعدما كان الدعم عند مؤسسي الكراهية يأتي من بغداد ودمشق والمخيمات المؤدلجة والمحتقنة.

وعلى الرغم من اختفاء الآباء المؤسسين لها، إلا أن الإستراتيجية لم تتغير وإن تبدلت الأدوار وتوسعت القنوات والمنصات، عزمي بشارة وجمال ريان وغادة عويس وكل المنخرطين في هذه الحرب «القديمة الجديدة» يثبتون لنا أنهم أحفاد سفاح للحروب القذرة التي انخرط فيها آباؤهم ذات يوم ولم ينجحوا فيها وأورثوها لهم، وكما سقط آباؤهم عند أبواب الرياض سيسقطون.

* كاتب سعودي