-A +A
محمد مفتي
تحدثت في مقالي السابق عن العواقب التي ترتبت على عدم قدرة النظامين العراقي والليبي على قراءة المستجدات والمتغيرات السياسية على الساحتين الدولية والإقليمية، مما أدى إلى سقوطهما وتفكك دولتيهما على النحو الذي يعرفه الجميع، وقد كشف تعامل الولايات المتحدة والدول الغربية معهما عن تغير جذري في سياستهما، يتناسب على نحو طردي مع مقدار التهديدات ومدى الخطورة التي تتسم بها تلك الأنظمة المارقة.

وقد طرحنا تساؤلاً في نهاية المقال السابق عن مدى قدرة النظام الإيراني على فهم الواقع وقراءة التاريخ، وعلى مدى قدرته على استيعاب المتغيرات أو على ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاحاً قواعد اللعبة السياسية، ولا سيما أنه قرر انتهاج وتطبيق سياسة معادية للمجتمع الدولي ككل، وبدأ مؤخراً في الانخراط في سياسة القرصنة البحرية وتهديد شرايين الاقتصاد العالمي، من خلال تصعيد متعمد غير مبرر للأحداث، ينبئ بعدم قدرة النظام في طهران على قراءة الواقع على نحو جيد، كما يبرهن بوضوح على فقدانه السيطرة على سياساته، نتيجة الضغوط الدولية والحصار السياسي والاقتصادي المتصاعد ضده.


لإيران كما يعلم الجميع عدد من الحلفاء في المنطقة، ولهم أذرع سياسية وعسكرية، ومن ضمن أذرعهم المزروعة في لبنان حزب الله، الذي تأسس عقب احتلال جنوب لبنان، وقد تأسس طبقاً لأيديولوجية معينة تدين بالولاء لطهران على الرغم من نفي الحزب لذلك، لقد خرج نصر الله قبل أيام بتصريحات نارية لا تخلو من التهديد، عن قيامه بإشعال المنطقة في حال قامت الولايات المتحدة بضرب إيران، ولا شك أنه منذ مجيء حسن نصر الله على رأس حزب الله وهو لا يتوقف عن تهديد إسرائيل وضربها وتحرير الأراضي العربية، ولطالما قام بتهديد إسرائيل بالتدمير التام، باعتبار أنه الوحيد الذي تمكن من صفع الكبرياء الإسرائيلي، والسؤال الذي نوجهه للسيد نصر الله: إن كان حزب الله قد صفع إسرائيل، فكم مرة صفعتك إسرائيل؟ غير أن السؤال الأهم من ذلك هو: إن كان حزب الله بهذه القوة فلماذا لم يقم بتحرير مزارع شبعا، التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الشقيقة لبنان.

من المؤكد أن نصر الله يبحث عن معركة وعن نصر يرضي به غروره، ولكن رغم إلحاحه على الزج بإسرائيل في كل التصريحات التي يتفوه بها، إلا أنه يبحث عن نصره من خلال معارك أخرى غير شن الحرب ضد إسرائيل، وهو ما دعاه للتوجه لسوريا وذلك على الرغم من أن حربه هناك مخالفة لأيديولوجية الحزب نفسه، التي هي في صميمها مقارعة إسرائيل، وقد انسحب ذليلاً من سوريا بعد التحذيرات الأمريكية له، غير أن صيحاته قد تعالت للدفاع عن إيران، مهدداً بأنه في حال ضرب إيران فإن الحزب سيقوم بمهاجمة إسرائيل وإشعال المنطقة، ونتعجب تماماً من هذا التصريح الذي يدينه «بل ويهينه» فهل تحرير فلسطين والأراضي المحتلة بلبنان وسوريا مرهون فقط بضرب إيران؟ ولو لم يتم ضرب إيران فهل سيتخلى حزب الله عن مبادئه وسيتم تفريغ الحزب من أيديولوجيته؟

من الواضح أن تصريحات نصر الله لا تعدو كونها مجرد محاولة يلجأ إليها العاجزون لخلط الأوراق، وهي تذكرنا بتصريحات طارق عزيز قبل انطلاق عاصفة الصحراء، التي أعلن فيها أنه إذا ما قامت الولايات المتحدة بضرب العراق، فإن العراق سيقوم بضرب إسرائيل، وعندما انطلقت عاصفة الصحراء قام النظام العراقي يائساً بإطلاق بضعة صواريخ سكود على إسرائيل، معتقداً أن إسرائيل سترد الضربة، وعندها ستهب الشعوب العربية لنجدة العراق ومساندته، غير أنه في حقيقة الأمر لم تهتم إسرائيل كثيراً بالرد على العراق لأن قوات التحالف قامت بضربها بالنيابة عنها، إلى أن تم تصفية النظام العراقي ذاته عام 2003.

يستميت حزب الله أمام المجتمع الدولي لإقناعه بأنه حزب لبناني مستقل الفكر يدافع عن سيادة لبنان، ولكن التصريحات الأخيرة لحزب الله تطرح سؤالاً ملحاً: لمن ولاء حزب الله؟ لتحرير الأراضي العربية أم للدفاع عن إيران؟ ألم تفضح تصريحات نصر الله حقيقة توجهاته وتشي بكونه شوكة مزروعة في حلق منطقتنا العربية لخدمة النظام الإيراني؟ ومن جهة أخرى دعونا نسأل نصر الله: لماذا يستميت الحزب في دعم نظام الأسد؟ هل هو بسبب الرغبة في الحفاظ على وحدة سوريا وشعبها؟ نحن نجيب عنه هذا السؤال، لأن سوريا هى عنق الزجاجة بالنسبة له، فلبنان بلد يحده من الشمال والشرق سوريا، ومن الجنوب إسرائيل، وبالتالي فإن سوريا هي المنفذ الوحيد الذي يتمكن من خلاله من تمرير صفقاته المشبوهة، وتعلم إيران أن سقوط سوريا في يد غير الموالين لها يعني سقوط ذراعها الضارب في لبنان حزب الله.

لقد بات جلياً أن التصريحات الخائبة والقرصنة البحرية ورعاية الإرهاب هي علامات الطريق المؤدي لنهاية هذا النظام، والذي لا يتورع عن زرع المنظمات الدخيلة في عمق منطقتنا العربية، غير أنه يبدو عاجزاً وبعيداً كل البعد عن فهم الواقع أو تحليل التاريخ، وإن تباطأ رد الفعل الغربي تجاه استفزازاته فذلك ليس خوفاً منه أو اقتناعاً بقدراته الخارقة، ولكن لأن لكل حرب حساباتها وظروفها وتوقيتاتها، وعاجلاً أو آجلاً سيتم اجتثاثه بلا أدنى شك، ولعل السلوكيات الاستفزازية والتحديات الصبيانية الأخيرة التي يفتعلها النظام ذاته، هي من سيودي به سريعاً حتى يلقى حتفه.

* كاتب سعودي