-A +A
عبدالله الشمالي
لا أتذكر بأني وضعت هذه السكين هنا. هي لا تندرج تحت النمط العام الذي يدفعني لشراء السكاكين عادة. لو صادفتها في محل، لن أفكر حتى برفعها من مكانها والنظر إليها، حتى لو كانت تمثل الطقم الأخير من السكاكين الموجودة لديهم، لن أقبل شراءها. في الحقيقة لو ذهبت إلى المحل المجاور، وكان لا يملك أي سكاكين، وجميع المحلات تستعد للإغلاق، ربما أعود لفعل ذلك -شرائها-.

وكي لا يدفعني هذا عن قصتي، سأكمل؛ هذه السكين لا تخصني، أنا متأكد من ذلك. هو ليس الأمر الغريب الوحيد الذي يحدث مؤخرا. بالأمس وردتني دعوة لحضور مناسبة القفز من الدور الثالث والأربعين، لم يسبق أن سمعت عن هكذا مناسبة؟ إن كانت توجد واحدة، كيف سيقوم المدعوون بشكر صاحب المناسبة على حسن ضيافتهم؟ بعد القفز من كل هذه المسافة؟


الحبل المعلق كمشنقة كذلك، الذي صادفته أثناء خروجي في منتصف الصالة قبل أسبوع. في اليوم التالي وجدت ملصقا على الثلاجة يحمل شعار وكالة ناسا الفضائية ومكتوبا فيه «متى آخر مرة فكرت فيها بإطلاق النار على نفسك؟». الشيء المشترك بين كل هذه الأشياء الغريبة هو طلب تطبيق «أندرويد» لتحميل التحديثات، في كل مرة! قررت الدخول إليه، وهنا كانت الصدمة.

دعوني أعيد صياغة السؤال المطروح من الثلاجة إلى: يجب عليك إطلاق النار على نفسك، إن كنت مقتنعا بأي طريقة كانت، بأن ما ذكرته سابقا هو قصة صحيحة. وكذلك إن كنت تعتقد أن «أندرويد» تطبيق، وليس نظام تشغيل. ويجب عليك إطلاق النار على نفسك بشكل مُلح إن كنت تبتسم بسخرية منذ قراءتك العنوان، وتخبر من حولك بفخر «أندرويد مهو تطبيق». هل أنت سعيد حقاً بهذه المعلومة؟ وتحاول تصحيحها بضراوة لشخص لا تعرفه؟ ومحتمل بشكل كبير بأنك لن تصادفه بقية حياتك؟ حقاً؟ «أندرويد» ليس تطبيقا؟ إذهب إلى والدتك لإخبارها بذلك.

مسألة الانتحار بالنسبة لدينا بالغة الحساسية، الكل يحاول إنهاء مناقشته سريعاً بالإحالة إلى نص ديني. وإن حدث، يتم التعامل معه كعار يجب طمسه. على مستوى الأهل، الأمر حساس فعلاً، ومؤذٍ، وغير مفهوم. والعقل البشري لا يمكنه على الإطلاق أن يستسيغ ما لا يفهمه. لذلك يلجأ المجتمع إلى محاولة إضفاء صفة تبرر الأمر، سبب معين ودقيق أدى إلى ذلك. ويجب أن يكون بعيداً عنهم. ومن هنا بدأت الأشياء تنطلق؛ «تلقى رصاصة أثناء تنظيف سلاحه»، «شنق نفسه بسبب لعبة الحوت الأزرق»، «بوبجي»، «فيفا 19» لو تطلب الأمر حتى، المهم أن يتواجد سبب معين، وأن يكون بعيداً عنهم. هذا جميعه، بشري، ومفهوم، ومتوقع الحدوث.

لكن أن تبقى الجهات المسؤولة عن الملفات الشبيهة صامتة في كل مرة، متوارية، تنتظر مرور الحدث، بأي طريقة، حتى لو كان تبريره معزوا إلى تطبيق جوال لا يتجاوز حجمه 17 ميغا. وزارة الصحة، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وعشرات الجمعيات النفسية التي لم تقم بأي دور يتجاوز تعليق لوحاتها، جميعهم يبقون صامتين، بانتظار نسيان الناس للحدث، كي يمر -كما يفعل عادة- مرور الكرام. تفسيري أنهم -هذه الجهات- قلقون من التصدي لمهمة إخبار المجتمع خوفاً من حساسيته أو هجومه.

لذلك سأتولى زمام المبادرة وأقول إن الانتحار مشكلة عقلية كأي مشكلة عقلية أخرى، قابلة للعلاج، والمنع. تحدث في أي مجتمع، في أي حقبة، وفي أي ثقافة. ولا يعني حدوثها على الإطلاق أن أعضاء هذا المجتمع لا يقيمون صلواتهم، ولا أن حالتهم تعيسة، الأمر والحل الوحيد هو هروبهم من الحياة بأي وسيلة كانت. دول كثيرة جداً على الرغم من معدلات دخل الفرد والتنمية الضخمة، إلا أنها تتسيد لوائح إحصاءات أكثر الدول في حالات الانتحار.

والآن، هل من الممكن أن تقوم هذه الجهات بدورها؟ التوعية؟ نشر الإحصاءات الصادقة؟ إنشاء مراكز مساعدة ودعم؟ وخطوط ساخنة لمكافحته؟ وفي ما يتعلق بهذه الخطوط، أتمنى أن يكون الشخص مختصاً كفاية لكي لا يُجيب المتصل الذي قال له للتو بأنه لا يرى أي أمل بالحياة، بـ: «ورااه؟ والله الحياة فله يبوي». وقتها سأكون معرضاً أنا الآخر للقيام بتصرف غير مسؤول.

*كاتب سعودي