-A +A
محمد مفتي
بعد غزو صدام حسين للكويت عام 1990، طالبت الدول العربية والغربية الرئيس صدام بالانسحاب غير المشروط، تعهدت هذه الدول بإزاحته عسكرياً إن لم يذعن لقرارات مجلس الأمن، وقبل بدء حرب التحرير أعلن الرئيس جورج بوش «الأب» أن الحملة العسكرية ستقتصر على تحرير الكويت ولا نية لقوات التحالف بتغيير النظام الحاكم في بغداد، لكن في عام 2003 أطل الرئيس الأمريكي الأسبق بوش «الابن» على العالم من خلال وسائل الإعلام، مطالباً الرئيس العراقي حينذاك صدام حسين وأبناءه بمغادرة العراق خلال 48 ساعة وإلا فستتم إزاحتهم عسكرياً، لم يستمع صدام لتحذير الرئيس بوش، ومن خلال قراءتي للكثير من المصادر الموثقة عن تلك الأزمة، والتي دونها مقربون من دوائر الحكم في بغداد آنذاك، فإن تجاهل صدام حسين كان له أسبابه، والتي كان من أهمها اعتقاده أن الولايات المتحدة لن تجرؤ على احتلال العراق أبداً؛ حيث كان في اعتقاده أن الولايات المتحدة لو أرادت احتلال العراق لقامت باحتلاله عام 1991 عقب احتلاله للكويت.

راهن صدام على أن أقصى ما يمكن أن يقوم به الأمريكيون لن يتجاوز قصف العراق مثلما حدث خلال عمليات ثعلب الصحراء، ثم يعودون أدراجهم بعدها لبلادهم، وقد كان صدام مؤمناً تماماً بأن التاريخ يتكرر، وقد أشار المقربون منه إلى إيمانه بأن رئيس الولايات المتحدة ليس بمقدروه تحمل أية خسائر بشرية، لأن تلك الخسائر ستؤدي إلى خسارته لشعبيته ومن ثم فقدان كرسي الرئاسة أو على الأقل خسارته في الانتخابات التالية.


لم يدرك الرئيس العراقي الأسبق أن قواعد اللعبة السياسية في حالة تغير وتجدد مستمرة، بل وفي حالة جدل مطرد أيضاً مع المستجدات والمتغيرات السياسية طيلة الوقت، فبداية هو لم يدرك أن الولايات المتحدة لن تحتل العراق إلا بعد تدميرها الآلة العسكرية العراقية، وبالتالي تحييدها، وهو ما اتضح لاحقاً عقب احتلال العراق مباشرة، لقد راهن صدام على ولاء «قادة جيشه» له وقدرتهم على القيام بحرب استنزاف مضادة؛ حيث كانت القيادات العسكرية -وقتئذٍ- بمثابة حصص وأنصبة تعكس الولاء العشائري والشخصي لشخص الرئيس ذاته، وهو ما دفع الولايات المتحدة مباشرة لحل الجيش العراقي لتحل القوات الأمريكية محله، وذلك لضمان قمع أي حركة مقاومة قد تندلع بين صفوف الموالين لصدام ضد الوجود الأمريكي هناك.

من المؤكد أن الولايات المتحدة تكبدت بعض الخسائر البشرية خلال غزوها للعراق، غير أن هذه الخسائر لم تكن بسبب الولاء لصدام بقدر ما مثلت جيوباً هدفت لمقاومة الاحتلال الأمريكي، وهو ما استدعى تسليم السلطة لحكومة عراقية جديدة ضمن سلسلة من الإجراءات التي لا يتسع الحيز لذكرها الآن، إلى أن انسحبت القوات الأمريكية من العراق تماماً تنفيذاً لوعود الرئيس أوباما بذلك خلال حملته الانتخابية.

وفي سياق آخر يوضح عدم إيمان بعض القادة بأن قواعد اللعبة تتغير، راهن معمر القذافي على أن الولايات المتحدة والدول الغربية لن تكرر سيناريو احتلال العراق، وهو ما أكسبه بعض الثقة بأن بمقدوره قمع الانتفاضة ضد حكمه، لقد راهن القذافي خلال ثورة 17 فبراير على سلسلة من التوقعات سقطت الواحدة تلو الأخرى، لم يدرك القذافي بأن قواعد اللعبة تغيرت وأن ما راهن عليه فشل تماماً وتمت إزاحته من السلطة عنوة، وبمصير أقسى وأشد من مصير صدام؛ حيث لم تقم الدول الغربية باحتلال ليبيا، لكنها اعترفت بسلطة ليبية جديدة -وهي مجلس الحكم الانتقالي- كممثل عن الشعب الليبي، الأمر الذي جعل القذافي في نظر مجلس الأمن والدول الغربية متمرداً ضد السلطة الجديدة وخارجاً على شرعيتها، مما دفع الدول الغربية للتدخل عسكرياً -استجابةً للسلطة الجديدة- من خلال توجيه عدد من الضربات الجوية المتتالية لقوات القذافي، أدت إلى تمزيق جيشه وتشريد أتباعه.

بالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط، ترى هل يقرأ زعماء طهران التاريخ جيداً؟ هل يستمعون للتحذيرات الدولية ويجيدون قراءة ما بين السطور، فعلى الرغم من تصريحات المسؤولين الغربيين بين الحين والآخر بعدم رغبتهم في تغيير نظام الملالي في طهران، إلا أنه لا يمكن الوثوق في تلك التصريحات الإعلامية المنمقة، فقد سبق بالفعل تصريحهم بعدم رغبتهم في تغيير الأنظمة في العراق وليبيا، غير أن ذلك لم يحدث، فمراكز اتخاذ القرار في الحكومات الغربية تتغير، وعندما تتعارض التصريحات الإعلامية مع المصالح الحقيقية، تفوز المصالح دائماً وأبداً.

للحديث بقية

* كاتب سعودي