-A +A
علي بن محمد الرباعي
وصل (معيض) مقر عمله، تولى إدارة المدرسة، وانهمك في استقبال طلاب ومعلمين وتأمين كتب وتوزيع جدول، وافتتح فصلاً مسائياً لمحو الأمية، واختارته جماعة المسجد إماماً لها، وخطيباً للجمعة، ونجح في كسب ثقة الناس بالعلم الغانم. نسي أنه عريس جديد وما تذكر الديرة إلا بعدما سلمه أبوعلي سائق اللوري رسالة من أهله، وعندما رأى أطراف فرخ الورق محرّق بالنار عرف أن أهله في حراه وأن الحروق التي تضمنتها الرسالة بتوصية من معيضة.

مع نهاية العام، سلّم الطلاب نتائجهم، والكبار شهاداتهم، فأقاموا له حفل توديع، اجتمع المركز ولعبوا القزوعي وقال شاعرهم (سلام مني سلامي، على معيض الهمام، كريم وابن الكرام، خصال ما هي كلامي، ما ظن تحصى وتنعد) ودّعوه وحمّلوه السمن والعسل. دخل على أهله مع صلاة العصر. لم يكن أبوه في البيت. اقتربت منه زوجته تسأله: وش نفسك فيه أسوي لك؟ قال: تعرفين وش نفسي فيه. فجاءته بقرص المجرفة ومصفاة قشر. وعندما أقبل الأب رحّب وسهّل، واستفزع بأخيه عوّاض، وطلب منه يولّم عشا ويدعي من كل بيت واحد. فنزل المراح وانتقى خروفاً يسد جماعة. تعشوا وعينوا من الله خير، وكل ما قال معيض: بافلح أرقد، قال أبوه: بعد يمديك. أثقل ولا تفشلني مع الجماعة.


سرى الضيوف وبدأ أبو معيض يتشكى، زوجتك فيها ما يخطيها. بنت عولة، أخرعت البقرة حتى جفت ضرّتها من الحليب، ما تنظف ما تحتها إلا بالكريك، وراددتني وأنا عمها وفي مقام أبوها، وما تلقيني خاطر راضي، وإن كنت ولدي الصالح تقوم تصمقها على صفحها حتى تصن أذانيها وأنا ألمح!!

تلفت معيض يمين وشمال، وقال: يا به تعوذ من إبليس، قال الشايب: علمي جاك وأنت بُصرك فيّه، فردّ: والله لو جيت ورأسك معلق مع روس أهل القرية كلهم أنه ما معي فيكم بُصر هذي الليلة. منيه حتين وتصبح وخير، وطلع العليّة ومعيضه في ساقته، والشايب يتلمح بعين الحسرة، رقدوا واصبحوا بخير، سلّم على رأس أبوه، فسأله: وشبك تِدّلِس طول الليل، فأجابه: لقيت في العليّة خشف وحدّ الليل أسدّ فيه. فقال الشايب: والله أنك أعقل مني يا ولدي.بغيت آهب فتنة بينك وبين عيالك وأنت غايب عنها سنة. الفُقه خير من القاله". علمي وسلامتكم.