-A +A
حمود أبو طالب
لم نكن بحاجة إلى جرح جديد ينزف في الجسد العربي المثخن بفعل الداخل والخارج، لذلك كان الإنجاز الذي حدث في السودان باتفاق المجلس العسكري والقوى المدنية على صيغة معينة لانتشال السودان من حافة الانهيار وإعادته إلى طريق الحياة الممكنة خبراً ساراً لكل عربي ولكل إنسان يمقت الاحتراب وإسالة الدماء وعذاب الشعوب من أي عرق وجنس ولون ودين.

كان السودان مهدداً بالفعل نتيجة أسباب كثيرة، فالبيئة السياسية التي أنتجها الحكم السابق كانت مترهلة لا يوجد فيها غير حزب الرئيس المعروف بأيديولوجيته وانتمائه الفكري، كما أنه تم اختراق السودان خلال تلك الفترة من جهات عديدة، إيران دخلت في وقت ما ثم لحقها التمدد التركي الذي أراد طعن الجوار السوداني بوضع قدمه في جزء من السودان، واشتدت محاولات التواجد القطرية خلال الثورة السودانية وبعد الإطاحة بالبشير من خلال عملاء الإخوان الذين ترعاهم قطر من أجل تكرار سيناريوهات رابعة في مصر أو ما حدث في ليبيا، مستغلين الظروف الخاصة بالسودان بعد الأزمات العميقة التي مر بها، ثم بدأت محاولات الأمم المتحدة بإشراف الدول الكبرى للتدخل لكن الله لطف بالسودان من المصير الذي يلحق بأي دولة تتدخل الأمم المتحدة في مشكلتها.


أثبت الوعي السياسي للشعب السوداني أنه ناضج كما هو معروف عنه، فالسودان مليء بالكوادر الواعية التي طمسها الحكم السابق لكنها نهضت واستشعرت مسؤوليتها خلال الأزمة، كما أن المجلس العسكري استفاد من أزمات الدول الأخرى التي طالت بالمماحكات والمحاصصات وانتهت إلى كوارث، فالتزم بوطنيته ولم يمانع من تقديم بعض التنازلات والتعامل بمرونة من أجل الصالح الوطني وإنقاذ مصير السودان، كما لا يجب نسيان الدعم الكبير الذي قدمته الدول المحبة للشعب السوداني كالمملكة والإمارات ومكنته من معايشة ظروف الأزمة دون السقوط في هاوية الانهيار.

نحن نتمنى أن يكون الاتفاق بداية لسودان جديد يتمتع بحكم مدني متحضر يليق بالشعب السوداني الراقي ويعيد له بسمته وجماله الإنساني.