-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
الحب عاطفة إنسانية نبيلة وسامية، ولا أبالغ إن قلت إنه ما من بشر على وجه هذه الأرض إلا وقد عرف الحب، بشكل أو بآخر، لكن الناس تتفاوت في حظوظها من هذه العاطفة، فمنهم من تفيض مشاعره، وينشر حبه في كل ما يحيط به ومنهم من يبخل ويضن بهذه العاطفة، فلا يفعلها إلا مع نفر قليل فسبحان من خلق الإنسان، وألهمه تلك المشاعر.

وعندما أتكلم عن الحب هنا، فإني أعنى الحب بمفهومه الواسع، بدءا من حب الله تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله»، وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته وصحبه، ومرورا بحب الأوطان والديار، وانتهاء بحب من يحيطون بنا من أفراد، وما يحيط بنا من مخلوقات.


وللتعبير عن الحب، باتجاهاته المختلفة، وسائل عديدة، فحبي لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إنما يتم التعبير عنه، بالأفعال والأعمال، إذ لا يعقل أن نحبهما ونخالفهما، فالعبادة والطاعة والإيمان المطلق، كلها وجوه للتعبير عن هذا الحب، وما أجمل أن يخلص المرء في حبه لله تعالى ولرسوله، حتى ينعم في الدارين، ويفوز برضا الحبيب.

والأم -مثلا- إنما تعبر عن حبها لوليدها بخوفها عليه، وحمايتها ورعايتها له، وقد تعبر ضمه إلى الصدر أصدق تعبير عن هذا الحب، ناهيك عن كل أفعال وحركات وسكنات من سلوك الأم تجاه أبنائها منذ ولادتهم وإلى أن يشاء الله، فسلوكيات الأم تجاه أولادها أبلغ من دواوين شعر، في التعبير عن هذه العاطفة السامية.

وكذلك عاطفة الأب وحبه لأبنائه، وإن كانت أفعال الأم وحركاتها أبلغ في التعبير عما عند الأب، لطبيعة تكوين المرأة، وتميزها بعواطفها الجياشة.

أما حب الأبناء لوالديهم، فهو يأخذ طابع الأعمال التي تنعكس في الاهتمام بأمورهم، كما يأخذ طابع الكلمات في القول اللين والحسن.

وحب المرء لوطنه ينعكس على مواقف الأفراد من بلادهم، وتضحيتهم بكل غال ونفيس من أجله، وبذل كل ما في طاقته لرفعة شأن الوطن وتقدمه وازدهاره، وقد ينعكس كذلك في عبارات موجزة وبليغة، تعبر عن هذا الحب.

أما حب الفرد لمن يحيطون به، فهو مزيج من الأقوال والأفعال، وكل منا يعبر بقدر ما آتاه الله تعالى من قدرات بدنية ومالية وبلاغية عن مكنونات نفسه، وعن هذا الحب، وما أجمل أن يكون هذا الحب مجردا من غاية وغرض.

بل أكثر من ذلك، قد يتعدى حب المرء إلى ما يحيط به من شجر وحجر، فيحافظ المرء على بيئته، ولا يسعى إلى تلويثها أو تدميرها، لأن حبه لهذه البيئة هو جزء لا يتجزأ من هذه العاطفة.

وهكذا نرى أن الأحبة كثر، وأن وسائل التعبير عن هذه العاطفة السامية عديدة ومتنوعة، وفقا للمحبوب، ووفقا لقدرات كل منا.

فاللهم أرزقنا حبك وحب رسولك، وحب من يحبك، وحب أوطاننا، وحب أهلنا وإخواننا، إنك على كل شيء قدير.