-A +A
محمد الساعد
يمكننا -نحن السعوديين- وصف الصحافة والإذاعات العربية خلال فترة الخمسينات والستينات وما تلاها بـ «إعلام بمرتبة عدو»، إذ لم تخلُ ساعة من تنمّر وتحريض ضد السعودية، كانت لغة الخطاب متوحشة مليئة بالاتهامات الباطلة، يسيرها الخلاف السياسي والعداء المستحكم من دول «الجمهوريات الانقلابية» ضد الملكيات العريقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

لقد كانت إذاعات بغداد ودمشق وبيروت وصوت العرب من القاهرة لا تتوقف عن إلهاب المشاعر العربية ضد المملكة شعباً وحكاماً، كان الهدف اغتيال الشخصية السعودية وتشويهها ووصمها بالتخلف والبداوة، وزاد الأمر سوءاً بعدما اشتعلت المنطقة الشرقية بالنفط والغاز، وأصبحت الأموال تتدفق إلى الخزائن السعودية، لقد أجج ذلك نيران الغيرة والحقد والكراهية وتعالت أصوات الافتراء والغبن والطمع في الثروات.


هل نسينا شعارات أن ثروات العرب للعرب وعن اقتسام مداخيل النفط وعن أن النفط ظهر في الأراضي الخطأ وعند الأناس الخطأ؟!

ما ترونه اليوم في قناة الجزيرة وتلفزيون العربي وغيرهما من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية ومئات الآلاف من حسابات الفيس بوك وتويتر واليوتيوب من فحيح وسموم وتقيؤ لا يختلف عن أيام الخمسينات والستينات، هي نفس الأحقاد ونفس الشعارات ونفس القضية التي يعلقون عليها «قرفهم» قضية فلسطين التي باعوها وباعاها أجدادهم بثمن بخس، ويريدون منا أن ندفع بالنيابة عنهم ثمن ما تقاضوه وأكلوه من أموال حرام، إنهم أيها السادة أحفاد وحفيدات أولئك الكارهون المبغضون، شربوا أحقادهم وكرههم من إعلامهم كما درّسوه لأبنائهم جيلاً بعد جيل في مناهجهم الدراسية.

هل نسينا «اضرب اضرب يا صدام بالكيماوي من الخفجي للدمام»، إنه تمني الموت والزوال قبل أن يكون مجرد كراهية عابرة، إنه التنمر «الحضاري» الذي يتوهمونه والفوقية والعجرفة التي لا تتوقف، من يقول إن العراق فقير، من يقول إن سوريا معدمة، من يصف فلسطين بأنها أرض مقفرة، لديهم أكثر أراضٍ صالحة للزراعة على وجه البسيطة وأكثرها مياها وأنهاراً جارية لا تتوقف، لا تخلو أراضيهم من ثروات أقلها مكامن النفط والغاز والفوسفات، نعم وظفوا أموالهم بطريقة خطأ، دمروا أوطانهم وحاربوا بعضهم البعض، ووظفناها بطريقة جيدة، فلماذا يحملوننا وزر كوارثهم وبلادة إداراتهم؟

كلهم تبنّوا العداء للدول الملكية محاولين فرض تصورهم لطريقة الحكم، لكنهم لم يطوروا طرق حكمهم فكانت كل أمة تنقلب على من قبلها، تسحل أعداءها وخصومها في الشوارع.

بدأت مع العام 1952 موجة الانقلابات العربية التي قادها العسكر ما بين عروبيين وبعثيين وشيوعيين، كانت إخفاقاتهم كبيرة وتناحرهم مستمر، وكانت فلسطين «قميص عثمان» الذي اختبأوا خلفه ورفعوه في وجوه خصومهم في كل عرس وفي كل مناسبة، طبعاً لا جيوشهم الكبيرة ولا أسلحتهم الحديثة استطاعت هزيمة إسرائيل، وكل ما فعلوه أنهم حمّلوا «السعودية» التي استعصت على محاولاتهم الانقلابية وزر خياناتهم وإخفاقاتهم.

كانت مصر وفلسطين وسوريا والعراق في الخمسينات الميلادية وما قبلها دولاً ثرية تعوم فوق المياه والمحاصيل، لكننا لم نسمع عنهم وعن شعوبهم أنهم مدّوا يد العون ذات يوم للسعودية الناشئة، لم يرسلوا الأموال لتعزيز خزينة الدولة الجديدة، لا أحد في صحارينا القاحلة رأى قوافل شاحنات الفواكه والقمح تخترق النفود والدهناء وجبال السراة قادمة من غوطة دمشق وبساتين العراق ومزارع فلسطين لتوزع كهدايا، لم يرَ السعوديون في طول بلادهم وعرضها طريقاً ولا مستشفى ولا مدرسة أنشأها الفلسطينيون أو السوريون أو العراقيون أو اللبنانيون هبة منهم وعطاء، كل ما نعرفه أننا وبعد تدفق عائدات النفط استعنّا بالكثير منهم كما غيرهم من الشرق والغرب في التعليم والصحة والإدارة لكنه لم يكن أبداً بالمجان، عملوا وأخذوا.

* كاتب سعودي

massaaed@

m.assaaed@gmail.com