-A +A
عبدالرحمن الجديع
يشكل انعقاد قمة مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية، في 28-29 من شهر يونيو الحالي حدثاً دولياً بالغ الأهمية لبحث التطورات السياسية والاقتصادية المتلاحقة وانعكاساتها على الدول الأعضاء والمجتمع الدولي بشكل عام.

وبلا ريب، فإنّ هذه القمة العالمية المهمة، التي تأتي في توقيت حساس جداً، ستنظر في التحديات كافة التي تواجهها الأنظمة المالية والاقتصادية في ظل المتغيرات والمستجدات لعام 2019، وستناقش أجندتها قضايا دولية، حسب الصفحة الرئيسية للقمة، تتجاوز الحدود مثل موضوع اللاجئين وتأثيره على الاقتصاد، وتغير المناخ، وقضايا التنمية المستدامة، والمستجدات في عالم التقنية والابتكار، وتمكين المرأة، والتعاون السياحي، والاقتصاد الرقمي، والطاقة، في ضوء معطيات العولمة وإصلاح wto ومحاولة بلورة سياسات وإستراتيجيات لمعالجة كل المؤثرات على البنية المالية والاقتصادية الدولية.


البنود الأساسية على أجندة قمة أوساكا تعزّز التعاون في العلاقات الاقتصادية الدولية، وبلورة سياسات تضمن تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق بين اقتصاديات الدول الأعضاء، خصوصاً أنه لم يعد بإمكان أي دولة أو مجموعة من الدول أن تتصدى بمفردها لمعوقات التعاون الاقتصادي الدولي في بيئة تتميز بتنامي الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين أفراد المجموعة الدولية.

بيْد أنّ الدول المشاركة ستستغل هذ الحدث وتواجد الزعماء، وبالتالي ستستثمر في عقد الكثير من اللقاءات الجانبية على هامش القمة، التي لا تقل أهمية عما يطرح ضمن أجندتها الرسمية، ولعل من أهم اللقاءات الجانبية المتوقعة لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك لحشد الدعم السياسي وبناء تحالفات ضد الاستفزازات والممارسات العدائية الإيرانية في استهداف الناقلات أو إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة «درون» وهي أمور تسهم في خلق التوترات، وتهدد المصالح، وتزعزع الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وأمام هذه التصرفات اللامسؤولة من القوات الإيرانية، فإنّ الولايات المتحدة تضع الدول الكبرى أمام مسؤوليتها وتهيئتها لأي رد عسكري مستقبلاً، خصوصاً أن الرئيس الأمريكي ألمح إلى أنّ مسؤولية الأمن في الخليج ليس من نصيب الولايات المتحدة فقط، وإنما على الدول الأخرى التي تسعى لضمان وصول نفط الخليج إليها أن تحافظ على مصادره ومنابعه وأمنه.

في المقابل، تُسهب إيران ومن خلال الدول الأوروبية، لا سيما ألمانيا، في السعي لتفاهمات تبعد الضربة العسكرية وتترك الباب موارباً للدبلوماسية والحل السياسي، وذلك من خلال رفع العقوبات الأمريكية على طهران التي وصلت إلى المرشد علي خامنئي، والعمل من خلال المفاوضات السرية مع الولايات المتحدة، كما حصل في مسقط للتوصل إلى تفاهم جديد بديل عن الاتفاق النووي JCPOA الذي انسحبت منه الولايات المتحدة، وهذه في مجملها قضايا مهمة وحساسة يتعين على الدول العربية أن تكون حاضرة في صميم قلبها.

ولعل الأمر المهم، الذي ربما يتم تناوله على هامش اجتماعات القمة، محاولة حشد الدعم السياسي لعملية السلام في الشرق الأوسط، انطلاقاً من أنّ القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى. وتفادياً لأية إخفاقات فإنه ينبغي الاستفادة من الأفكار المطروحة التي تشير إلى إنشاء صندوق عالمي للاستثمار لدعم اقتصاد الفلسطينيين والدول المجاورة بخمسين بليون دولار، وهو أمر مهم ينبغي على الدول كافة تحمل هذه المسؤولية الجسيمة، وعدم تحميل دول الخليج النصيب الأكبر منها، مع التركيز على أنّ هذه المشاريع الاقتصادية، مع أهميتها والترحيب بها، يجب ألا تكون بديلة عن الحل المبني على المبادرة العربية ومفهوم حل الدولتين للوصول إلى التسوية العادلة.

تشارك المملكة العربية السعودية بوفد عالي المستوى برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع. ولا شك في أنّ الدور الفاعل والحيوي والقيادي الذي يلعبه ولي العهد في مثل هذه المنتديات الدولية له أثره البالغ، سواء داخل الاجتماعات أو في اللقاءات مع قادة وزعماء العالم على هامش القمة لمناقشة وتوثيق ودفع العلاقات الثنائية مع هذه الدول وإبراز نظرة المملكة من الأحداث الجارية في المنطقة، وبالتأكيد سيكون لسمو ولي العهد حضور واضح ومميز ومؤثر في هذه القمة الدولية بالنظر لما يتمتع به سموه من حكمة وبعد نظر ورؤية شمولية لوضع الحلول ومعالجة المشاكل التي يواجهها العالم.

يضاف إلى ذلك أنّ المملكة ستقوم بطرح رؤية 2030 وستشارك القمة في تجاربها الناجحة في التعاون البنّاء في نسج الشراكات الدولية الذي أسهم في خلق دينامية فعالة في المجتمع السعودي، فضلاً عن الاستفادة من الطاقات والإمكانات، خصوصاً أنّ المملكة تعدّ من كبريات اقتصاديات الدول المشاركة في قمة أوساكا.

المملكة تتمتع بمكانة مرموقة، والكل يشهد بدورها الريادي في ترسيخ السلم والأمن الدوليين من خلال مبادراتها في المحافل الدولية؛ كمبادرة السلام، والدعوة لحوار الأديان، ونشر ثقافة الانفتاح، والتصدي للإرهاب، إضافة إلى النجاح الاقتصادي المبهر الذي تحقق في السنوات الأخيرة، وأسهم في نقل المملكة من اقتصاد ريعي يرتكز على سلعة النفط فقط، إلى اقتصاد يتميز بالمنافسة والتنوع، وفتح الأسواق، وخلق فرص العمل، وهذه النجاحات في مجملها مكنت المملكة من استضافة قمة العشرين المقبلة عام 2020.

قمة أوساكا ذات أجندة مكتظة بقضايا بالغة الأهمية، وتستقطب اهتمام المجتمع الدولي ككل، وتأتي مشاركة المملكة لتعزز مواقفها الوطنية، وتدعم القضايا العربية والإسلامية في مختلف المحافل الدولية، كعادتها في ذلك، بفضل وعي وبصيرة قيادتها الحكيمة، ورؤيتها الثاقبة.

* كاتب سعودي