-A +A
محمد الساعد
الحضور اللافت للعائلات والسيدات في الفعاليات الترفيهية والحفلات الفنية خلال السنتين الماضيتين وبعد إقرار برامج الترفيه وجودة الحياة، ليس غريبا ولا جديدا على مجتمعنا المحلي، الفكرة أننا تقادمنا وتناسينا ما كان طبيعيا قبل عقود.

سنورد فيما يلي مظاهر الترفيه والاحتفالات السنوية التي شهدها المجتمع في مدينة الطائف قبل ستين عاما. وكيف تعامل الجمهور معها واحتفاؤه بها، لقد كانت جزءا من سلوك وحياة الناس الطبيعية، ولم تعد في وقتها لا تغريبا ولا حالة طارئة على المجتمع.


في العام 1380 وصلت طلائع موكب الملك سعود إلى مدينة الطائف المصيف البهي الذي اختاره الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قادمة من العاصمة الرياض، التي سيقضي فيها الملك بضعة أشهر ثم يعود مرة أخرى إلى عاصمته.

بالطبع كانت ترافقه حكومة جلالته، والعاملون في ديوانه ووزارته وأسرهم الكريمة.

كانت الطائف كعادتها السنوية تتزين قبل أسابيع من الوصول الملكي فتبنى الأقواس في مداخل الشوارع وتنشر الأعلام وتقام الصواوين في كل حي وتتنافس الحارات بينها لإظهار أجمل ما لدى الأهالي احتفاء بالملك المهيب، وفي العادة يقوم الأهالي بجمع المساهمات المالية فيما بينهم لإقامة سرادق للاحتفال في كل حي من أحياء الطائف ويتنقل الملك بينها ملتقيا أبناء شعبه ومستمعا لهم.

الملك سعود -رحمه الله- كان يقيم في قصره المنيف بضاحية الحوية (خارج الطائف) وضمن برنامجه اليومي يتوجه بعد صلاة العصر إلى «دكة» في حي السداد تسمى بدكة «الملك سعود» تطل على الحدائق والبساتين حيث يبقى مع أخوياه إلى صلاة المغرب يصلي ثم يتوجه بعدها إلى الاحتفالات اليومية المقامة على شرفه، وكان من أوائل الأحياء التي يغشاها الملك حي العقيق خلف الضيافة العسكرية، وفي العادة يتجمع الأهالي ومعهم الأعيان وكباره وتلقى بين يديه الكلمات والقصائد والعرضات ورقصة المجرور الشعبية، ثم ينتهي كل ذلك مع صلاة العشاء، كان الأهالي والعائلات والنساء يعيشون حالة الفرح ويتحلقون من فوق البيوت لمشاهدة الاحتفالات والمشاركة بها.

مع هذه المظاهر الشعبية التي تنتقل من حارة إلى أخرى، كانت تقام بالتزامن حفلات فنية طوال فترة «الصيفية» يحييها كبار الفنانين السعوديين.

في ذلك العام بالذات أقيم حفل كبير في «مزرعة قصر نجمة» الشهير الواقع بحي العزيزية شرق الطائف، ونتيجة للإقبال الكبير كانت الحافلات والسيارات العامة تنقل النساء والرجال والأطفال من أحياء الطائف ومن برحة القزاز وسط المدينة إلى موقع الحفل الذي يقام على مدى أيام، وهو مظهر يذكرنا بما يحصل هذه الأسابيع في موسم جدة على الواجهة البحرية حيث ينقل الناس بالحافلات إلى مواقع الترفيه.

كان برنامج الحفلات ترفيهيا بامتياز ثريا ومتنوعا، فكبار المذيعين هم من يقدمون فقراته ويتناوبون عليها من أهمهم المذيعان الكبيران محمد حيدر مشيخ وبدر كريم، إضافة إلى فقرات كوميدية للفنانين «تحفة ومشقاص».

في ذلك العام غنى الفنان الكبير طلال مداح واحدة من أجمل أغانيه الوطنية تحت عنوان يا حبيب الشعب يا حامي الحرم، وكذلك أغنية وردك يا زارع الورد، أما الفنان عبدالله محمد قدم لجمهوره أغنيتي ايه ذنبي يا أسمر، وربي عطاك عين تسحر، الموسيقار طارق عبدالحكيم غنى أجمل أغانيه أشقر وشعره ذهب ويا ناعس الجفن وابكي على ما جرا لي، إضافة إلى نجم صاعد -حينها- الفنان حيدر فكري.

هكذا كانت الحياة في مدننا بسيطة لكنها فعالة وتأخذ طورها الطبيعي وتتقدم بناء على حاجات الناس، تتفاعل مع محيطها وتألف مظاهر الفرح وتسعى إليه وتبني مؤسساته بل وتساهم فيه من أموالها الخاصة.

* كاتب سعودي

massaaed@