-A +A
عبدالله صادق دحلان
بكل المعايير الدولية، استطاعت رؤية المملكة الحديثة أن توجه اهتماماتها لترفيه شعبها في جميع مناطق المملكة، ونجحت هيئة الترفيه في تغيير الصورة القديمة عن الإجازة السنوية وعبئها الاقتصادي على أبناء شعب المملكة والتي كانت تعتبر معضلة لطبقة من الأسر السعودية المحرومة من الترفيه داخليا وخارجيا وذلك لعدم القدرة على السفر بحثاً عن بعض من وسائل الترفيه المشروعة، وكأن السفر والترفيه حكر على طبقة ميسورة فقط، والحقيقة أن الإمكانات الوطنية المالية والقدرات المتاحة من القوى البشرية وتواجد الفكر المنفتح والمبدع في القيادات السعودية يستطيع أن يخلق فرصا استثمارية ترفيهية، إلا أن بعضا من القيود حجبت هذه القدرات والإمكانات لأن تقدم لشعب المملكة بعضا من احتياجاته الترفيهية، ومع الرؤية الحديثة التي تهتم بالإنسان أولا، طفلا كان أو شابا وشابة وشيخا، أثبتت بالبرهان من خلال متابعتي لأنشطة هيئة الترفيه في جميع أنحاء المملكة، وفي جدة على وجه الخصوص، أن المملكة قادرة أن تنافس العديد من الدول العربية التي سبقتنا في مجالات الترفيه لشعوبها ولزوارها، بل العديد منها كان موجها لترفيه شعوب الخليج وعلى رأسها المملكة، وأنشئت العديد من الفنادق والمنتجعات والدور والمسارح استهدافا للسياحة الخليجية، وكم من بلايين الريالات ذهبت خارج الوطن للسياحة الخارجية، وأجزم أن نسبة كبيرة منها قد تم إنفاقه هذا العام داخل الوطن لتساهم في نمو الاقتصاد المحلي لكل مدينة ومنطقة، وسيكون مردوده الاقتصادي أكبر على المشاريع السياحية والخدمية من فنادق ومنتجعات سياحية ومطاعم وملاهٍ ومراكز تجارية بجميع أنواعها.

لقد نجحت اللجنة المنظمة لفعاليات (موسم جدة) في تنفيذ مائة وخمسين فعالية تعرض لأول مرة وبأسعار تنافسية لا مبالغة فيها مقارنة بتكاليفها، لقد تضافرت جهود إمارة منطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة وأمانة مدينة جدة وجميع الأجهزة الحكومية وعلى رأسها وزارة الداخلية بجميع أجهزتها وجميع مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ثقافية وفنون ونواد أدبية وغرف تجارية.


لقد أعاد المنظمون جدة العجوز إلى شبابها، فحولوا كورنيش جدة إلى واجهة مضيئة لجدة بعد أن كانت جدة تعطي ظهرها للبحر، إن من حضر وزار مدينة جدة خلال فترة موسم جدة الحالي سيندهش وينبهر بالتحول الكبير الذي تعيشه مدينة جدة هذه الأيام من دور للسينما من أحدث دور السينما العالمية، وحفلات سمر لأشهر المطربين العرب ومسابقات رياضية وفرق شعبية ومطاعم بحرية ومطاعم ساهرة وكورنيش لجميع الفئات من المجتمع يمارسون رياضة المشي في مضمار المشي الخاص بهم.

ونقلة حضارية لجدة القديمة وسط الأحياء القديمة لإعادة التراث الفني لمدينة جدة القديمة، تعرض تاريخها العريق التجاري والصناعي والخدمي، إنجاز رائع لخطة حكيمة ترفيهية اقتصادية لشعب يستحق أن تقدم له هذه الخدمات، مؤكدا بأن ما حصل من تطور للمجتمع السعودي لا ولن يخالف الشريعة الإسلامية بإذن الله، حيث كان البعض قلقا من المساس بها، لكن المجتمع السعودي بكل فئاته أثبت أنه مجتمع قادر على مجارات التغيير والتطوير وأن قيمه وعاداته وتقاليده لن تسمح له بتجاوز المسموح.

ورغم جميع الآراء الأخرى التي نحترمها كآراء شخصية يعبرون بها عن نفسهم، إلا أنني أرى أن من أهم النجاحات التي تحققت في السنوات الثلاث الاخيرة هي الاهتمام الخاص باحتياجات المجتمع السعودي بجميع فئاته وجنسه، ولو كانت هناك مؤشرات قياس لمعرفة رأي المجتمع السعودي في الخطط المستقبلية حسب الرؤية المستقبلية، أجزم بأن النتيجة ستكون تصويتا بأعلى النسب للخدمات الترفيهية التي تقدمها هيئة الترفيه في جميع أنحاء المملكة، وعلى وجه الخصوص للمرأة السعودية التي أصبحت أكبر مستفيد من برامج الرؤية المستقبلية سواء من فرص العمل المتاحة لها للعمل للغير أو لحسابها الخاص.

وإذا جاز لي الاقتراح على هيئة الترفيه أن تنشأ في مدينة جدة وعلى الواجهة البحرية دار أوبرا عالمية تقام فيها الحفلات والمناسبات وتعرض فيها المسرحيات الدولية والعربية وتعزف فيها فنون الموسيقى العالمية، وهو ما ينقص المدن الرئيسية في المملكة مثل جدة والرياض والمنطقة الشرقية، كما أتمنى أن ينشأ في وسط المدينة القديمة متحف تاريخي في مدينة جدة القديمة وهي متاحف موجودة في كل مدن العالم تسجل قصص الأوطان ومدنها.

كما أتمنى على هيئة الترفيه أن تضع برنامجا سنويا معلنا مستقلا لجميع الإجازات السنوية وهي عديدة، وأن يتم إبقاء بعض المشاريع التي أنشئت في مواسم الترفيه لأن تكون مستمرة طوال العام سواءً أنشطة أو ترفيها أو مطاعم بحرية أو رحلات بحرية، وأخيرا أتطلع للمبادرة من هيئة الترفيه لإنشاء شركة إدارة سياحية (Tour operator) لتوجيه وكالات السفر لتنظيم رحلات أبناء الوطن والمقيمين فيه لحضور مواسم الترفيه في الإجازات بشراكة من شركات طيران وفنادق ووسائط النقل الأخرى ومن يرغب من المستثمرين.

* كاتب اقتصادي سعودي