-A +A
نجيب يماني
في هذا الشهر الميلادي يصادف ذكرى البيعة المباركة للأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، وحسب الزمان اليوم أن يقف لحظة بمقدار الدهشة والانبهار في ذكرى هذه البيعة، فكل ما اتصل بها كان استثنائيا بكل ما تحمله الكلمة من حمولة المعاني الوضيئة البراقة، من حيث الظروف، والشخصية، والتداعيات، وسجل المنجزات.

دونك فاستعد كيف انعقدت البيعة في ذلك الموقف المهيب، واللحمة الوطنية التي يعزّ مثيلها، والاجتماع على الكلمة في صورة كتبت للإنسانية سطرا من سطور الوفاء، وأضافت للتاريخ معنى جديدا من معاني ترتيب شؤون الحكم على قاعدة التوافق والسلاسة، المفضية إلى السلام والطمأنينة، والغاية رفاهية هذا الشعب الوفي، وحماية هذا الوطن الأبي، هكذا جاءت البيعة في ذلك اليوم المشهود، فامتدت الأيادي بالمبايعة، وتصافحت الكفوف إعلانا بذلك طوعا واختيارا ورضا بهذه القيادة الرشيدة المباركة.


أما من حيث الشخصية، فهو هو.. محمد بن سلمان، الرقم الصعب، والمعادلة التي قلبت الموازين في أوجز وقت بالرؤية القوية، التي كتبت سطر إنجاز فريد في كراسة التاريخ عموما، وتاريخ المملكة العربية السعودية حديثاً.. إنها شخصية سيطول الحديث عنها كثيراً في مباحث التاريخ الحفي بأفذاذ الرجال، وصنّاع المواقف المائزة على مستوى العالم، فلتتسع سطور التاريخ، وتستعد الأقلام لسجل حافل، لشخصية أقل ما توصف به أنها «استثنائية»، في طموحها، ورؤيتها، وتكوينها، وأحلامها، ومنجزاتها، وقدراتها، وقل ما شئت ما دمت تغوص في عالم الفضائل، وتمتح من معين العطاء الثري، والعمل المثمر، والوفاء للأوطان الذي هو قدر العظماء.

وفي تطوافك الباهي في حدائق ولي العهد، استصحب معك سجلاً حافلاً كتبته يداه في عام جلوسه الأول على كرسي ولاية العهد، فكان كفؤاً للثقة، ونظيراً للمسؤولية الكبيرة التي ألقيت على عاتقه، وقد دخلها مسلحاً بتلك الرؤية التي أدارت بوصلة العالم إلى «سعودية جديدة».. كونها رؤية نظرت إلى أفق يتراحب نحو العقد الثالث من الألفية الجديدة، مرتبة الأوضاع بنسق متزامن يستهدف «التحول الوطني»، ويتسامق إلى ما هو أرحب من ذلك، على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وغيرها من الآفاق والمجالات الأخرى.

وحسبك من ذلك الشاهد والمثل العابر فقط، فإن الإحصاء في ما تم من منجزات يطول، وتقصر عنه هذه المساحة، ويضيق عنه الزمن الآن، وإن شئت فانظر إلى الرؤية في بعدها الاقتصادي وقد حررّت الاقتصاد السعودي من الارتهان والاعتماد على النفط، بفتح الآفاق، وتحريك الجمود، واستغلال كافة الموارد الاقتصادية الأخرى، بما وسّع الدوائر، وأتاح المجالات أمام الاستثمار ورؤوس الأموال لتجد طريقها في السوق السعودي، في حركة نشطة، وسط عالم مضطرب، يشكو عللاً اقتصادية كبيرة، لتبقى المملكة العربية السعودية مائزة باقتصاد يرتكز على عناصر قوية، بما شكّل ضمانة لها من حالة الاهتزاز الكبير التي يشهدها العالم اليوم، ويكفي في ذلك الإشارة إلى سعي جميع الدول العالمية إلى عقد الشراكات والتحالفات الاقتصادية مع المملكة بميزات وثمار تملأ سلة المملكة بقطافها الآجلة والعاجلة، مشيعة حالة اطمئنان وبشرى بمستقبل اقتصادي مزدهر وواعد.

وترافق مع ذلك ترتيب البيت السعودي اجتماعياً، فكانت رؤية التحول الوطني التي أتاحت الفرص للشباب السعودي من الجنسين ليقدم عطاءه، ويفجر طاقاته، ويستثمر محصلة مخزونه الفكري والعلمي والأكاديمي بتوفير فرص العمل، وتفعيل السعودة، بما وفّر فرص العمل في مجالات كانت لزمن ليس بالقصير حكراً على غيرهم من الوافدين، بما قلل من نسب العطالة وسط الشباب من الجنسين إلى أدنى المستويات.. كذلك من أبرز مظاهر هذا التحول نجدها ماثلة في تحرر المرأة من القيود الاجتماعية التي كبلتها في السابق دون مسوغ منطقي، فأتيح لها من الفرص في هذا العهد الزاهر ما لم يتح لها من قبل، وتولت بنفسها قيادة السيارة بعد عقود من الشد والجذب في أمر لم يكن يستحق كل ذلك، وها هي اليوم شريك أصيل في منظومة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، تقدم عطاءها المأمول في أبهى الصور وأشرقها.

ويمتد عنق الإعجاب والدهشة لينظر عطاء ولي العهد في سوح السياسة العالمية، بما يتوافق ومكانة المملكة قديما وحاضراً، لتزداد هذه المكانة نصوعاً، وتتراحب دوراً مشهوداً في تشكيل قطب قادر على أن يكون الحصن والملجأ للعرب والمسلمين، وشريكاً للعالم في صياغة أسباب السلامة والأمن، ومساهماً في نهضة الإنسانية وصون حضارتها.. لتأخذ المملكة زمام المبادرة إلى لمّ الشمل العربي، ورتق النسيج الإسلامي، ومحاربة كل أطياف الغلو، ونوازع التطرف، ساعية نحو الوسطية والاعتدال، مشكلة خط دفاع أول للعرب والمسلمين ضد المد الصفوي الخبيث، وأذياله في المنطقة، وذاك شرف كان لولي العهد فيه الصدارة تقدماً، والمبادرة سعياً نحو إسكات الفتنة بحزم وعزم، فأعاد المجتمع السعودي إلى سابق عهده، بعد أن اختطفه خطاب «الصحوة» ردحاً من الزمن.. وفي هذا المقام يطول الكلام، وسيعرف التاريخ، وستدرك الأجيال القادمة أي صنيع باهر لولي العهد في هذا المقام.

نعم.. إنه «محمّد الخير»، على كرسي ولاية العهد، قد حرّك ساكن الثقافة، وفتح لها المراقي لتصعد.. فكانت المهرجانات العديدة التي تجاوزت عادتها الموسمية لتبقى فعلاً مستمراً ومؤثراً في المجتمع وبناء رؤاه الفكرية والإبداعية.. ترافق ذلك حركة إعلامية تمضي باتجاه التخلص من المقعدات إلى استلهام الأفكار الجديدة، والأساليب الحديثة، والتقنيات المتطورة لإنفاذ صوت المملكة العربية السعودية كما ينبغي أن يكون، وينقل رؤيتها بوضوح وجلاء دون تشويش وتزييف، جعل للحياة قيمة ولحياتنا جودة وكما قيل الحق ما شهد به الآخرون، فقد وصف البابا تواضروس الثاني ولي العهد بأنه رجل مفيد للأمة يمضي في صالح بناء الإنسان، إنه إنسان منفتح يرى الحياة برؤية إيجابية.

أعلم أن المساحة تقصر، والزمن يضيق، والخاطر يتيه عندما يستعرض منجزات ولي العهد الأمين، ويبقى حال الواحد منا في هذا المقام كمن يحاول إمساك قطرات الغيث بكفيه وهي تتهاطل خيراً من سماء الجود والسخاء، فلا يبلغ من ذلك إلا أقل القليل الذي لا يذكر، وقد جرت الأرض بالخير العميم، فيكفيني من كل ذلك شرف النظر العابر إلى هذا الطود الشامخ، محمد بن سلمان، وهو يتسامق في فضاء العطاء حباً لوطنه، ووفاء لشعبه.

* كاتب سعودي