-A +A
أنمار مطاوع
الكتابة تكشف الكاتب وفكره؛ بمعنى آخر، هي تُظهر قيمَه الإنسانية. حتى كتابات وسائل التواصل الاجتماعي القصيرة تخضع لنفس القاعدة من خلال تعليق أو تغريدة. هي تكشف كيف يفكر صاحبها.. لأنه يكتب وهو مقتنع تماما بقيمها.. دون أن يعرف أنه قد يُفصح عن تسطيح مقيت لا يرقى لحديث النفس الأمارة.. ناهيك عن نشره للملأ. ربما وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مغلقة على العالم الافتراضي.. وكما يتحجج البعض: (ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي.. يبقى في وسائل التواصل الاجتماعي) على وزن مقولة الأمريكان: ما يحدث في لاس فيجاس.. يبقى في لاس فيجاس. لكن الكتابة في وسائل الإعلام التقليدية لا يجب أن تكون كذلك.

المقالة الدّعابية؛ أو خفيفة الظل، تحتاج للفكر الإبداعي. قليلون من كتاب العالم العربي من نجحوا في الكتابة خفيفة الظل.. ولكن تبِعهم المقلدّون.. فسقطوا في فخ الاستهزاء.. لافتقادهم عنصر الإبداع.. وهو العنصر الأهم في هذا النوع من الكتابة. الكل يلاحظ قلة مهنية كتّاب الدّعابة في الأعمال الدرامية الكوميدية العربية بشكل عام، التي تقوم على الاستهزاء بالجنس أو اللون أو الشكل.. فتتحول إلى مهزلة مكتملة العناصر.


الكتابة الفكاهية تدخل تحت بند الدّعابة.. ويفترض أنها تخضع لنفس قواعدها. فهي تمشي على خيط رفيع جدا تحته سطح جليدي شفاف للغاية قابل للكسر من أول خطوة خاطئة.. فتُقتحم قدسية تقدير الآخر واحترامه. معظم من يحاولون كتابة موضوعات خفيفة ظل يكسرون ذلك السطح فيسقطون في خزي الفكر الإنساني وإهانة ثقافات العالم وعدم احترام حتى.. الذات.

الكتابة الدّعابية تهتم بإشراك القارئ في الفكرة.. وأخذه إلى صور ابتكارية جديدة خارجة عن المألوف. ولعل أهم سؤال يوجهه الكاتب لنفسه هو: لماذا أكتب موضوعا هزليا؟ والإجابة يجب أن تحتوي على جملة: (.. أداة لإيصال فكرة..). فالضحك للضحك مدرسة جوفاء انتهت منذ زمن طويل. تشير الدراسات الإنسانية إلى أن الكتابة خفيفة الظل ذات القيمة الإنسانية (.. تخفف توتر الحياة اليومية.. وتقلل الشعور بالوحدة.. وترفع نسبة الاستمتاع بالقراءة..).

انتبه المجتمع والقانون لما يسمى (كوميديا الوقوف) وحاسب المتجاوزين.. وما زال، وانتقدهم.. وما زال، ولكنه ترك حبل الكتّاب -في الصحافة تحديدا- على الغارب.

في الكتابة الهزلية، يجب أن يراجع الكاتب مقالته.. ويطور قيمها وإنسانيتها قبل نشرها.. ليرى إن كانت مضحكة أم سخيفة!.. وهل تحترم ثقافات العالم وعاداته وتقاليده؟ أم هي ممارسات للاستعلاء على خلق الله واستهزاء بهم؟

* كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com