-A +A
يحيى الامير
غالبا تدرك الوفود الدبلوماسية التي زارت طهران أو تخطط لذلك أنها لن تحرك شيئا في الأزمة الكبرى التي بات يمثلها النظام الإيراني والذي يتحفز العالم الحر اليوم للتخلص منه بعد أن أثبت طيلة أربعين عاما أنه لا يحمل للمنطقة إلا الخراب والدمار.

تبحث تلك الوفود عن دور إقليمي إما للحفاظ على مصالحها كما تفعل ألمانيا مثلا وروسيا وهما العضوان الأبرز في مجموعة الخمسة زائد واحد، أو كتلك الدول التي تمثل العقوبات الإيرانية إرباكا لها ولمكوناتها السياسية كالعراق أو تلك المتورطة في تحالف جديد مع طهران كالنظام القطري الذي يشهد مقاطعة من أكبر دول المنطقة بعد دعمه المتزايد للإرهاب والعنف والفوضى.


لماذا لن تقدم كل تلك الجهود أي تحول في واقع الأزمة التي تشتد يوميا؟ السبب الرئيسي يكمن في النظام الإيراني نفسه، فالعقوبات لا تريد من طهران التخلي عن جزء من أراضيها ولا مصادرة مقوماتها الاقتصادية ولا إعادة تشكيل السلطة في البلاد، كل ما تريده المنطقة من النظام الإيراني أن يوقف كل مشاريعه التوسعية الثورية في المنطقة، المشكلة أن تلك المشاريع التخريبية الثورية هي تجسيد فعلي وواقعي لعقيدة النظام وهويته وتكوينه، وبالتالي يصبح تغيير السلوك مجرد عنوان يحاول النظام أن يكسب به مزيدا من الوقت.

إن أكبر خديعة سياسية حاول النظام الإيراني تسويقها عن نفسه أن لديه تيارين؛ تيارا محافظا متشددا وآخر إصلاحيا منفتحا، وقد أثبتت السنوات والتجارب أن كل ما يحدث كان مجرد تبديل في الوجوه والأسماء حسب ما تقتضيه الضغوطات الدولية والإقليمية التي تواجه النظام.

الفترة الأكثر انتعاشا للنظام كانت إبان الإدارة الأمريكية السابقة، لكنها فترة لم تجلب للمنطقة والعالم سوى مزيد من الخزي الحضاري والإنساني، ويبدو أنها قد ولت إلى غير رجعة.

ما الذي كان ينتظره النظام الإيراني من المنطقة ومن العالم وما هي الخطة التي يتحرك وفقها للسنوات العشر القادمة مثلا؟ في الأغلب لا شيء. الذين يخططون ويستعدون للمستقبل هم المؤمنون بالكيانات الوطنية التنموية وبالدولة القومية الحديثة، وبالتالي لا يمكن اعتبار النظام الإيراني معنيا بمثل تلك الخطط والرؤى المستقبلية المدنية.

أي تحركات سياسية وأي جهود دبلوماسية إما أنها لن تفضي إلى شيء أو ستفضي إلى شيء ضار وكارثي، بمعنى أن أي جهود للحل السلمي إذا نجحت (لا يوجد سيناريو متوقع لنجاحها) سوف تطيل عمر النظام وبالتالي تستمر تحركاته ومشاريعه الكارثية في المنطقة أو تكسبه مزيدا من الوقت ليراهن على ما قد يحدث في العالم من تحولات ومستجدات سياسية.

لا يوجد في العالم اليوم أي نظام مشابه للنظام الإيراني عقيدة وتركيبة، وبالتالي فهو حالة ضارة بالعالم وبعيدة عن اللحظة الحضارية التي يعيشها العالم اليوم. وأغلب الذين يقودون تحركات للوساطة والبحث عن حل دبلوماسي من خلال النظام الحالي هم في الواقع لا يدركون حجم التعقيد أو يبحثون عن مكاسب سياسية.

اليوم العالم أمام فرصة حقيقية للتخلص من هذا الاختراق الحضاري الذي يمثله النظام الإيراني، وكل حديث عن حل سلمي حديث لا جدوى منه إلا إذا تغير النظام، لكن لا يجب أبدا الرهان على النظام الحالي في تغيير سلوكه لأن كل ما يقوم به ليس مجرد سلوك ولكنه عقيدة.

* كاتب سعودي