-A +A
طارق فدعق
عنوان المقال يعني التجاهل أو «الطناش» التام المتعمد لفئة معينة. ومن المفروض أن تكون هذه الكلمة من الكلمات الخطيرة شبه المحظورة لأنها قد توقع الناس في ظلم. وإليكم بعض الطرائف التاريخية لتأييد ذلك: في عام 1920 وضع العالم البنجالي «شاتيان بوظ» نظرية خرافية قلبت مفاهيم العلوم. «بوظ» جاء بفكرة «بوظت» الدنيا في عالم الفيزياء. وحسب فهمي المتواضع لها، فكانت تحوم حول التغيرات بداخل الذرة عندما تنخفض درجة الحرارة إلى مستويات خرافية. والمقصود بالخرافية هنا هي أقل درجة حرارة في الكون وهي حوالى 273 درجة تحت الصفر. عندئذ تتغير سلوكيات المادة بالكامل، وتتحرر من القيود وأهمها قيود الاحتكاك فتتحرك بأريحية اعجازية إلى ما شاء الله.. أغرب من الخيال. والمشكلة أنه بالرغم من وجاهة النظرية، لم تكن لذلك العالم أي طريقة لإثباتها في المعمل. والمشكلة الأكبر أنه كان بنجاليا. يعني طلع أو نزل، كان الفكر السائد آنذاك في الوسط العلمي هو «أخصره». وفي تلك الأيام كانت اللغة الألمانية هي اللغة السائدة لقبول نشر الأبحاث العلمية في مجال الفيزياء لدى أفضل الدوريات المحكمة. وورقته كانت بالإنجليزية. يعني بنجالي وينشر بالإنجليزية، وفكرة غريبة...يعني «أخصره»...في أقوى أدوارها. جدير بالذكر أن الهند كانت الدولة الأم آنذاك، فلم تولد دولة بنجلاديش أو حتى باكستان إلى فترة لاحقة. الشاهد أن «بوظ» لجأ إلى «قبضاي» الفيزياء الأول في العالم وهو الألماني «ألبرت إينشتاين» لمساعدته. وتمت ترجمة البحث إلى اللغة الألمانية، وقبل للنشر باسم العالمين. وتم إضافة حالة من أحوال المادة باسم بيك Bec وهي الاختصار «لمكثفات بوظ واينشتاين Bose Einstein Condensate...وبعد حوالى 75 سنة تم تجسيد الحالة في المعمل، فاثبت وجودها عمليا من قبل العلماء «كورنيل، ووايمان، وكيترلي» الذين نالوا على جهودهم لإثباتها جائزة نوبل. وتخليدا لاسم العالم البنجالي، أطلق علماء الفيزياء اسم بوزون «Boson» على بعض من أهم أجزاء الذرة الصغيرة جدا جدا جدا...تنتوفة ذرية.

والقصة الثانية لدعم مبدأ أخصرهم كانت عام 1904 في إحدى أرقى الجامعات في العالم، وهي جامعة هارفارد في الولايات المتحدة. وتحديدا في قسم علوم الفلك حيث كان يعمل علماء الفلك وتحتهم كتيبة من السيدات الرائعات. وتألق نجم إحداهن واسمها «هنريتا ليفيت» فكانت لديها ذاكرة فوتوغرافية. كانت بإرادة الله تستطيع أن تتذكر مواقع وخصائص إضاءات مئات النجوم المختلفة من ليلة إلى أخرى. وكانت هذه السيدة ذات الذاكرة الفوتوغرافية ترصد التغيرات في بريق النجوم بدقة خرافية. ومن خلال رصدها الدقيق، تم التوصل للاكتشاف الذي غير تاريخ علم الفلك: أن مجرتنا ليست الوحيدة في السماوات. وتحديدا، فمن خلال رصدها الدقيق لآلاف النجوم، وبريق كل منهم بإرادة الله، تم الاستنتاج أن مجرتنا ليست فريدة، وأن هناك مجرات أخرى عديدة في الكون. وتم التوصل لهذا الاكتشاف من خلال مبدأ البريق الذي يعكس مسافات النجوم المختلفة من الأرض، وهناك أيضا نبض الإضاءة لكل نجم، ولون الضوء الصادر عن كل منهم.. كل هذه المتغيرات وأكثر، أدت إلى اكتشاف أن الكون أكبر بكثير من الاعتقاد السائد. والمحزن هو أن تم تحجيم «هنريتا» كموظفة بالرغم من اكتشافاتها المتميزة، فكان الاعتقاد بأنها «مجرد» امرأة، وأن وظيفتها هي أشبه «بصبي فلكي» فكان الفكر السائد هو: أخصرها. ولم تعط التكريم والعرفان الذي تستحق إلا بعد مرور سنوات فتم إطلاق اسمها على إحدى فوهات البراكين على سطح القمر.


أمنية

بعض الأفكار حيال الآخرين تتراكم بداخلنا بطرق عجيبة إلى أن تصل إلى عتبة الخطورة. أتمنى أن نقوم بين كل حين وآخر بتقويم تلك الأفكار التي نحكم بها على البشر، وبالذات تلك التي تستثني البعض بأساليب لا ترضي الله عز وجل.

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي