-A +A
هاني الظاهري
hd.alhayat@gmail.com

بما أن اليوم هو ثاني أيام عيد الفطر السعيد في وطننا الغالي المملكة العربية السعودية وأول أيام العيد في بعض الدول العربية الشقيقة فلابد من بدء هذه المقالة بتهنئة القراء الكرام والدعاء بأن يعيد الله الأعياد السعيدة على السعودية والأمة العربية باليمن والمسرات.. وهذه مناسبة جيدة لنتذكر بطولات أجدادنا الشهداء العظام الذين عاشوا عيد الآلام والاستشهاد دفاعاً عن عقيدتهم ووطنهم في الدرعية عام 1233هـ أثناء حصارها من قبل جيوش الإجرام التركية الباغية.


في مثل هذا اليوم من عام 1233هـ/1818م كان أجدادنا الأبطال قد أمضوا نحو 4 أشهر محاصرين في الدرعية تدكهم المجاعة ويموت أطفالهم أمام أعينهم جوعاً وعطشاً ويُقتل منهم ويُصلب كل من يتخطي سور المدينة بما في ذلك الأطفال والنساء والمسنون، إذ تحيط بهم من كل جانب جموع مكونة من عشرات الآلاف من المرتزقة واللصوص وقطاع الطرق الذين تم استجلابهم من أصقاع الأرض تحت راية دولة داعش الأولى المسماة زورا دولة الخلافة العثمانية ليرتكبوا أبشع مجزرة تاريخية لايمكن نسيانها في قلب الجزيرة العربية.

استبسل أجدادنا الأبطال في مقاومة الغزاة وإيقاع مقتلة تلو الأخرى بهم طوال 6 أشهر هي عمر الحصار وقد كتب اللعين المجرم قائد عصابات الاحتلال المدعو إبراهيم باشا في رسالة وجهها إلى أبيه ضمن وثائق الأرشيف العثماني، ما نصه «بما أن الدرعية كائنة بين جبلين فوزع قسم المذكور -أي الإمام عبدالله بن سعود- رجاله على الجبال وأطراف مضيق الدرعية وفي داخل الحدائق -أي المزارع- المختلفة وبقية أعوانه في داخل الأسوار والأبراج وقوى متاريسه تقوية جدية على وجه لا تنفذ فيها القذائف»، ويقول المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي الذي عاصر تلك الفترة في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار: «إنه في منتصف شهر رمضان سنة 1233هـ وصل نجاب وأخبر أن إبراهيم باشا ركب إلى جهة من نواحي الدرعية لأمر يبتغيه وترك عرضة -نائبا عنه- فاغتنم أهل الدرعية غيابه وكبسوا على العرضة على حين غفلة وقتلوا من العساكر عدة وافرة وأحرقوا الجبخانة -أي الذخيرة- فعند ذلك قوي الاهتمام وارتحل جملة من عساكر الترك في دفعات ثلاث براً وبحراً يتلو بعضهم بعضاً لضرب الدرعية».

مر عيد الشهداء الذي نتذكره اليوم شاهداً على بطولة وصمود أجدادنا إذ لم يتمكن الغزاة من دخول الدرعية إلا غدراً بعد ذلك بشهرين، حيث عقدوا معاهدة سلام مع الإمام عبدالله بن سعود ينهون الحصار بموجبها وينسحبون دون أن يمسوا سكان الدرعية بسوء مقابل أن يرافقهم إلى سلطانهم كبير المجرمين الذي يمتطي الدين باسم الخلافة للنظر في أمره، وعندما برز لهم اعتقلوه وعاثوا في أهل الدرعية قتلاً وتنكيلاً وبقراً لبطون النساء ونحراً للأطفال، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن العصابات التركية كانت تندهش من التزام أجدادنا الأبطال بالصلاة خلال المعارك، فيما لا يعرف العثمانيون الغزاة أي شيء عن الصلاة ولا الإسلام ومعظم جثثهم عندما كُشف عنها بينت أنهم كانوا «غُلفاً» أي غير مسلمين من الأساس.

تذكرت ذلك وأنا أشاهد قبل أيام مقاطع فيديو تناقلها بعض العرب المنخرطين في المشروع العصملي الجديد عبر شبكات التواصل تُظهر قيادات الحزب الحاكم في تركيا «الوريث الجديد للعثمانيين» وهم يمثلون أنهم يؤدون الصلاة في الجوامع ويرتلون بعض الآيات التي حفظوها بشكل سريع أمام الناخبين ضمن حملة دعائية تمتطي الدين للوصول إلى هدف محدد هو كسب أصوات الأتراك في الانتخابات البلدية المقرر إعادتها بعد إلغاء النتيجة التي أسقطت حزبهم في أكبر المدن التركية، ما يؤكد أن الاتجار بالدين بضاعة هؤلاء تاريخياً.

رحم الله جدي مبارك الظاهري أحد أشهر أسرى الدرعية ورحم كافة شهدائنا الأبرار، وأعاننا على ذكرهم والدعاء لهم في كل مناسبة توقظ ذكراهم في قلوبنا وعقولنا ما حيينا.