-A +A
نجيب يماني
لأنّها المملكة العربية السعودية، محور الارتكاز العربي حين تدلهم الأمور، ومبعث الأمل الوضيء للعالم الإسلامي أجمع، حينما تحدق به الإحن، وتنتاشه الدسائس والمؤامرات فكان لا بد من تحصين البيت الخليجي ضد أطماع ومؤتمرات إيران وقطر والإخوان ومن يدور في فلكهم ويأتمر بأمرهم.

ولأنه ديدن قيادتها الراشدة الحكيمة منذ نشأتها، على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – طيّب الله ثراه – وإلى عهدنا الزاهر اليوم، عهد سلمان الحزم والعزم، وولي عهده الأمين محمّد الخير.. كان لا بد لها أن تأخذ لواء السبق، وترفع لواء التنادي للعالمين العربي والإسلامي، لمؤتمر تحتضنه أم القرى، وموئل الإسلام، ومهبط الوحي الأمين؛ مكة المكرمة، بكل ثقلها التاريخي، وقدسيتها الدينية، في شهر الفضل والخير العميم، فيا له من مؤتمر تكاملت له كل أسباب النجاح قبل انعقاده.


فالدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، وافخر به اسمًا ساطعًا في تاريخ العالم المعاصر، وقائدًا محنكًا تجتمع عند كلمته الأمتان العربية والإسلامية.. والمكان، مكة المكرمة، قبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم عبر الزمن، وحاضنة بيت الله الحرام، بكل حمولتها ومعانيها وتاريخها..

والزمان، رمضان الخير والبركة، قسّمت أيامه بين ابتداء الرحمة، وتوسط المغفرة، والاختتام بالعتق من النار..

بهذه الثلاثية الباعثة على الأمل الفسيح تنعقد القمة الإسلامية، وفي أطوائها قمة خليجية عربية على هامشها..

تنعقد القمة رافعة شعارًا يتسق مع المرحلة التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية، مفاده: «قمّة مكّة.. يدًا بيد نحو المستقبل».. إن هذا الشعار يكشف في مضامينه روح التحدّي والعزيمة والتصميم على تجاوز الراهن السائد بكل تعقيداته التي نعيشها، وتعيشها الأمة العربية والإسلامية، كما أنه في المقابل يستبطن أملاً منفتحًا يتجاوز مربعات الخيبات القديمة، ودوائر الارتكاس في تقليب دفاتر الماضي الذي هد عزائمها، واجترار الأزمات وتدويرها في حلقات مفرغة من كل المعاني، والركون عند محطات البيانات الشاجبة والمنددة فقط دون ثمار في سلة الإنجاز، فهذه القمة بشعارها ترنو إلى المستقبل، وهذا ما يجعل الرهان عليها منفتحًا بصورة كبيرة، باعثة على الأمل، ومحرضة على التفاؤل، مصحوبًا ذلك مع ثلاثية النجاح الأساسية التي أشرنا إليها من حيث التوقيت والمكان، والشخصية الناهضة بأعباء الدعوة إليها، وفتح مسارات الضوء في عتمة المشهد المعيش اليوم..

نعم؛ لا يستطيع أحد أن ينكر أن الواقع العربي والإسلامي اليوم بات مهددًا من كل أطرافه، وأكثر ما يكون التهدد من قبل الدولة الصفوية، ونظام الملالي، في دأبه المستمر على إحداث الفتن والقلاقل، وزرع بذور الدسائس والمؤامرات في منطقة الخليج العربي، عبر أذرعه المعروفة، التي لا تحتاج إلى كثير إشارة لمعرفة مخابئها، ومحاضن تكاثرها الآسن البغيض، وما زال وجودها يشكل خطرًا يستوجب موقفًا عربيًا وخليجيًا وإسلاميًا موحدًا للتصدي له بشكل يعمق من عزلته، ويحجّم من طموحه الأرعن، ويعيد ترتيب الأمن والسلامة في جسد الأمة العربية والإسلامية بما يمكنها من استشراف مستقبلها، بعيدًا عن مثل هذه المعوقات التي أقعدتها عن رسالتها الحضارية والإنسانية العميقة..

كما أن قضية فلسطين تظل هي الأخرى من القضايا المحورية التي تتطلب تحركًا نحو الأمام، بعيدًا عن الشعارات التي لا تنسجم مع الواقع، والحلول التي لا تصحب المتغيرات التي يشهدها العالم، بما يعقّد من جوهر القضية ولا يفضي إلى حل ناجع وحاسم لها، فالنظر إلى المستقبل الذي تنادي له قمة مكة يجعل سقف الطموح عاليًا باستحداث آليات جديدة متوائمة مع روح العصر بما يخدم هذه القضية ويحقق الغاية من حلها على نحو يرضي الأطراف جميعًا، ويحقق السلام المنشود.

إن واقع الحال يقول بأننا أمام قمة استثنائية، كونها حددت وربطت أفق التوقع في مجرياتها قبل الانعقاد بـ«المستقبل»، وعلى هذا فإن المستقبل المنشود تتقاطع فيه كثير من الأمنيات الممكنة والمحتملة، ولا شيء يحول دون تحقيقها متى ما صدقت النيات، وتوافقت الرؤى، وتواثقت العزائم على إحداث التغيير المنشود، الذي يتجاوز ركام الخلافات التي أثقلت عربة الماضي العربي والإسلامي، وعطّلت قدراته المهولة، وأثقلت خطاه المتوثبة، وآن لهذه الأمة أن تدرك أنها بصفة «الخيرية» التي وصفها بها خالقنا عز وجل جديرة بأن تبحث عن مناط هذه الخيرية في مستقبلها المفتوح، وتواجه أعداءها بالحزم المطلوب، وتضع مداميك نهضتها المقبلة بوعي ورؤية باصرة، وليكن الابتداء الجاد، والاستشراف الحقيقي، والنهضة المرجوة من مكة النور، وهي تنادي بلسان سلمان «يدًا بيد نحو المستقبل». ضد توسعات إيران وعربدتها على أراضي أربع دول عربية ولجم أذنابها وضربهم في مقتل حتى لا تقوم لهم قائمة بإذن الله.

اللهم احم وطني خاصة وبلاد المسلمين كافة واحمنا من الأعداء والأشرار والمتاجرين بدين الله.

* كاتب سعودي