-A +A
أريج الجهني
«لقد أدانت المملكة كافة أشكال التطرف والعنف والإرهاب وواجهتها بالفكر والعزم والحسم».. عبارة تاريخية من كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- في مؤتمر وثيقة مكة المكرمة التاريخي، الذي استضاف ١٢٠٠ شخصية إسلامية من ١٣٩ دولة، نعم هذا هو منهج قادتنا، الفكر والمعرفة، وأتصور أن يكون هذا اللقاء التاريخي فرصة حقيقية لوقف خطابات الكراهية وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، وكنت أتمنى أن تكون الهوية المعتدلة أحد محاور المؤتمر الأحد عشر، لكن جميلا أن تم تخصيص أحدها للخطاب الوسطي وهو من أخطر المحاور وأكثرها تأثيرا.

إن فوبيا المعرفة قضية مقلقة والمقلق أكثر عندما ترافق أصحاب المناصب ومن وظفتهم الدولة لخدمة الوطن وأقسموا على إرساء الأمن وخدمة الشعب، فتتصاعد أصوات مضطربة تفوح منها الجهل والكراهية والتهديد والوعيد، على مرأى العالم وتجاه قضايا فكرية عالمية تجعل الناس يظنون أننا جهله ومجتمعات نامية، والواقع يخالف هذا الأمر تماما، وتجد أشخاصا ما زالوا يعيشون في جهلهم القديم ويصرون على تكرار تفزيع الناس وإرعابهم بشكل يجعلك تدرك أن الأمر غير عادي.


«الاعتذارات القادمة» ستكون للفكر والتنوير، لكن الدولة لن تنتظر هؤلاء ليعودوا لوعيهم، نحن نعيش في عصر الوعي والمعرفة والفوبيا التي أتحدث عنها هنا فوبيا حقيقية واسمها العلمي «إبيستموفوبيا» الإبيستمو كلمة يونانية ترمز للمعرفة وتسمى أيضا «جنوسيوفوبيا»، وهي تعني أن صاحبها يخاف من التعاطي مع المعلومات، والمعرفة وقد تكون لأسباب ذاتية كالخوف والقلق أو لأسباب خارجية كالمجتمع والترويع من المعرفة والتشنيع المخيف الذي نراه على كل مصطلح جديد بطريقة مثيرة للضحك.

المشكلة الحقيقية أن لدينا خللا مجتمعيا في صناعة الهوية الفردية والمجتمعية والمهنية بشكل علمي وهذا أمر طرحته كثيرا، الذي يهمني هنا هو أن هذا الخلل تسبب في خلق حالة من الجهل المركب، فبعض هذه الجماعات التي لا ترى إلا ما يريد الآخر لها أن ترى! تكون بؤرة جاهزة لنمو أي كيان معادٍ للدولة، لهذا أقول في كل مرة إن موضوع الهوية هو موضوع أمني ومتصل بالإرهاب بالدرجة الأولى، لأن معرفة الذات هي التي تقود لمعرفة الآخر، فالإنسان يصبح مستلب الهوية حينما يعرف نفسه من حوله ومن الآخرين بالتالي يصبح من السهل تغييب وعيه، فهناك فجوة بين أن تكون أنت هو «أنت» وبين أن تكون أنت هو «هم»، المشكلة الحقيقية في مسألة الهويات الجمعية هي سهولة تمرير القضايا الفكرية بشكل مرعب.

رسالة للجيل الجديد، حتى لا يعودوا لكم معتذرين وبثياب المتسامحين لا تسلموا عقولكم، ولا يخيفكم أي تشنيع على الثقافة والفكر، لدينا وزارة قائمة الآن بحد ذاتها لخدمة الفكر والحضارة، لا تنتظروا أن تسمعوا من الأشخاص، تعلموا أن تتعاطوا مع الأفكار من الكتب والمراجع، في هذه الإجازة الممتدة حققوا أهدافا معرفية كقراءة عشرة كتب أو تلخيص أي كتاب يعجبكم، انطلقوا لآفاق المعرفة ولا تكونوا أصناما ليأكلكم هؤلاء المؤدلجين ثم يعتذرون! أنتم عتاد الوطن وأنتم صناع المستقبل.

* كاتبة سعودية