-A +A
هاشم عبده هاشم

* مشروع الملك سلمان لا يهدف إلى منع الحرب فقط.. وإنما إلى توحيد الأمة وسلامتها

* إيران مهددة بالتقسيم والانهيار.. إذا هي اختارت الحرب

* القمم الثلاث.. خطوة مهمة.. لإعادة الوئام بين الفرقاء

* لا مكان للتنظيمات الإرهابية أو المليشيات المسلحة في منطقتنا بعد اليوم

* شعوب الأمتين العربية والإسلامية أحق بثرواتهما وتنمية مجتمعاتهما

* الانتقال بالأمة من السلاح النووي.. إلى الرخاء والتنمية والاستقرار

* قمم عالمية.. تعقب القمم الثلاث.. تحقيقاً للسلام المنشود



•• يشكل انعقاد ثلاث قمم: إسلامية.. وعربية.. وخليجية.. في مكة المكرمة.. خلال الفترة الواقعة ما بين 25 و27 رمضان الحالي.. بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عملاً ضخماً ومسؤولاً اقتضته طبيعة الأحداث والتطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة بكل انعكاساتها المتوقعة على الأمن والسلام الدوليين.

•• تفعل هذا المملكة العربية السعودية للأسباب الجوهرية التالية:

• أولاً: أن المنطقة تشهد تهديدات خطيرة للغاية.. يجب تدارك كوارثها المدمرة للإنسانية جمعاء.

• ثانياً: وضع دول المجموعات الثلاث أمام مسؤولياتها في وقت يتطلب الكثير من العمل.. والتعاون المشترك.. والجهود المخلصة.. والفاعلة.. وعلى كل الأصعدة.. ومن قبل الجميع.

ثالثاً: دعم وتعزيز التحالفات الإقليمية والدولية الهادفة إلى مواجهة كافة مصادر التهديد لأمن واستقرار العالم.. وتقاسم المسؤولية وتحمل الأعباء المترتبة على سياسة العمل الجماعي الفعال..

• رابعاً: تمكين الدول والشعوب من الحفاظ على الحد المطلوب من الأمن والسلامة.. وضمان الحياة الكريمة واستمرار خطط البناء والتنمية والتطوير لمجتمعاتها.. بدلاً من استمرار حالة الاستنزاف بكل سلبياتها على الجميع.

• خامساً: تحقيق التوازن بحده الأعلى.. بالحد من الأخطار.. ووضع حد للمغامرات.. وسياسات التوسع على حساب الغير.. وإعادة بناء الإمبراطوريات القديمة وسياسات القرون الوسطى.. إشباعاً لطموحات غير مبررة في عصر الانفتاح.. والتعاون.. ودمج مصالح الشعوب.. وتنمية وتطوير حياة الإنسان.. وتوجيه الثروات وجهة بناءة عمادها.. الاستقرار.. ودمج المصالح.. وليس إحياء سياسات الاستعمار التي أورثت البشرية الكثير من الكوارث.. والنكبات.. والفقر.. والتخلف.. والأمراض.

حشد مصادر القوة الإيجابية

•• هذه الأسباب والدواعي الحيوية المهمة.. هي التي دعت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى التفاف قادة وزعماء هذه المجموعات الثلاث في هذا الوقت بالذات.. وفي مكة المكرمة.. وقريباً من بيت الله الحرام.. انطلاقاً من تشرفه بخدمة الحرمين الشريفين.. ومسؤولياته الكبيرة في جمع وتوحيد وحشد مصادر القوة في الأمتين العربية والإسلامية ومن ورائهما الأسرة الدولية أيضاً.. للتحرك بسرعة.. ومسؤولية قبل فوات الأوان..

•• فعل هذا الملك.. لأنه يدرك مدى خطورة الوضع الذي تتجه إليه المنطقة ومن ورائها العالم بأسره للحيلولة دون وقوع الكارثة في ظل غياب الحكمة.. وسياسة المغامرة.. التي تعتمدها بعض الدول الإقليمية في توجيه المنطقة وجهة خطيرة نحو مزيد من التوتر الذي سيقود إلى الهلاك.. بفعل الأوهام التي تسيطر على عقول الأنظمة التي تريد فرض هيمنتها على دول وشعوب المنطقة.. وخارجها..

السلاح النووي يعرض إيران للخطر

•• وبصورة أكثر تحديداً.. فإن مخطط إيران للاستيلاء على مصادر القوة.. والثروة.. والروحانية.. الذي ترافق مع قيام الثورة الخمينية في العام 1979.. ليس فقط في المنطقة وإنما في الدول المستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي..وفي أفريقيا.. وآسيا.. والتمدد إلى خارجها وصولاً إلى أطراف أوروبا الغربية ودول أمريكا الجنوبية.. هذا المخطط الخطير.. بدأ بإقامة العديد من البؤر والمليشيات والجيوب.. وإقامة التنظيمات السرية.. داخل الدول والمجتمعات على أسس مذهبية.. أو نفعية.. غير شبكات التجسس التي تنتشر في كثير من دول العالم.. بهدف السيطرة على مقدرات الدول والشعوب وربطها بالولي الفقيه في طهران.. في جانب..

أما الجانب الأهم والأخطر فإنه يتمثل في بناء القدرات النووية في الداخل الإيراني.. والعكوف على تطويرها بدرجة فائقة.

•• ليس هذا فحسب.. بل إنها استطاعت وبدهاء أن تمرر أخطر اتفاق جرى بينها وبين الدول (5 +1) لتضمن وجود غطاء دولي لممارساتها الخطرة وضمان ربط مصالحها بدول كبيرة في هذا العالم وفي مقدمتها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.. بالإضافة إلى ألمانيا.

هذا الاتفاق الخطير الذي حذرنا منه قبل ولادته.. وبعد البدء في تطبيقه.. وآخر تلك التهديدات كشف عنها ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان.. خلال جولته في كل من أوروبا وأمريكا.. ونبه الجميع إلى أن إيران سوف تمتلك بنهاية عام 2025.. قدرات نووية هائلة من شأنها أن تهدد الأمن والسلام والاستقرار في العالم.. ودعا الجميع إلى تحمل مسؤوليتهم.. والتنبه إلى خطورة تلك السياسات.. وضخامة التهديدات المترتبة عليها..

•• ومع ذلك فإن وتيرة تحرك دول العالم لتطويق تلك الأخطار كانت بطيئة.. وغير جادة بدرجة كافية.. وذلك حتى بعد أن انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الاتفاق عقب وقوفها على حجم الأخطار المترتبة على الاستمرار فيه.. وبدأت في اتخاذ العديد من الإجراءات بهدف دفع إيران إلى التوقف عن تلك الخطط والبرامج المدمرة..

خياران صعبان أمام طهران

•• واليوم.. وقد شعرت إيران بأن ما خططت له.. وأنفقت عليه.. وحلمت بتحقيقه لعودة الإمبراطورية الفارسية إلى ما كانت عليه في يوم من الأيام.. وذلك ببناء قوة ثالثة في هذا العالم.. إلى جانب القوتين القائمتين الولايات المتحدة الأمريكية.. وروسيا.. يوشك على الانهيار.. وأنه لا بديل أمامها إلا إحراق المنطقة.. وإغلاق جميع المنافذ والممرات الحيوية للملاحة الدولية.. منها وإلى كل مكان في هذا العالم.. واستهداف مصادر الطاقة.. وتدمير البنى التحتية في دول المنطقة وفي غيرها.. بهدف الضغط.. وضمان الاستمرار في سياساتها.. ومخططاتها.. وبرامجها التوسعية.. وفك الحصار المحكم على رقبتها..

•• وبكل تأكيد..

•• فإن سياسات حمقاء من هذا النوع.. سوف تقود المنطقة والعالم إلى دمار حقيقي.. وشامل.. لا يمكن أن تقدم عليه دولة تدرك طبيعة المسؤولية التي تتحملها الدول الراشدة.. وتزن الأمور بميزان الحكمة.. لماذا؟ لأن إيران حملت نفسها.. وشعبها.. تكاليف عالية جداً للإنفاق على التنظيمات الإرهابية.. والمليشيات العسكرية.. والتوجهات الفكرية المنحرفة بهدف بسط نفوذها على كل مكان تصل إليه..

•• وعندما يصل إنتاجها من النفط المصدر إلى الخارج إلى نقطة الصفر.. فإنها لن تصبح قادرة على إمداد تلك البؤر بما تحتاج.. فضلاً عن أنها ستتحول بفعل هذا الحصار الذي تسببت فيه.. ودفعت الآخرين إلى الإقدام عليه دفعاً.. إلى دولة فاشلة.. غير قادرة على الصمود والاستمرار.. وبالتالي وضعها أمام خيار من خيارين صعبين للغاية..

•• أولهما: التوقف عن هذه السياسات والمخططات بصورة كاملة.. وهذا يعني بالنسبة لها إيقاف مشروعها الحلم..

•• وثانيهما: إشعال قتيل الحرب (على طريقة عليَّ وعلى أعدائي..)

•• ومن الدلائل الماثلة أمامنا.. من خلال معرفتنا بنمط التفكير الإيراني القائم على المكابرة والعناد وإظهار القدرة في كل الظروف.. فإن تقديم أي تنازلات والأخذ بالخيار الأول.. قد لا يكون واردا عند الإيرانيين لأنه يعني بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت باعتبار أن «ثورتهم» قامت على هذا الأساس وأخذت بهذا المنهج ليس فقط في نشر عقيدتهم الفكرية وإنما في التمدد.. والتوسع.. والاستيلاء على مقدرات الدول والشعوب الأخرى.. جنوباً.. وشمالاً.. وشرقاً وغرباً.. وكذلك خارج دول المنطقة أيضاً.. ولذلك.. فإن الإقدام على الخيار الثاني.. يظل أمراً وارداً.. وقوياً.. ولايمكن التقليل من شأنه بأي حال من الأحوال.. لا سيما أن الوضع الداخلي في إيران نفسها يبدو مهترئاً.. سواء داخل مؤسسة الحكم.. بهيمنة المرشد (خامنئي) على مقاليد الأمور.. أو داخل المؤسسة العسكرية بدءا بالحرس الثوري الذي يشهد الآن تغييرات واسعة وانتهاء بالقوات المسلحة وبالقدرات الأمنية محدودة الدور والتأثير في الداخل الإيراني.. أو بالنسبة للوضع الاقتصادي الذي يعاني كثيراً وقد يصل إلى مرحلة الانهيار في ظل استمرار الضغط الدولي والعقوبات الاقتصادية الأمريكية تحديداً..

•• وهذا يعني.. أن على دول المنطقة (أولاً) والدول الإسلامية.. ونحن في مقدمتها.. أن تكون على إلمام تام بحقيقة الموقف.. وبطبيعة الأخطار المحتملة.. وأن علينا جميعاً مسؤولية كبرى للالتفاف حول بعضنا البعض.. وللتفكير بتمعن كافٍ.. وتدارس الموقف من كل جوانبه والخروج بقرارات مسؤولة.. من شأنها أن تجنب المنطقة.. والأمة.. والعالم.. نتائج حرب مدمرة.. لا مكسب لأحد منا فيها..

بين التدمير وتفكك الدولة الإيرانية

•• وللحقيقة.. والتاريخ..

•• فإن هذه القمم «الوقائية» الثلاث التي دعت إليها المملكة العربية السعودية في أقدس البقاع وأطهرها وفي أعظم أيام الشهر الكريم ستكون بمثابة المنقذ لإيران قبل غيرها من نتائج مدمرة قد تقود إليها تطورات الأوضاع وتجعلها بمنأى عن مصير محتوم من مصيرين:

•• أولهما: التدمير الشامل لمنشآتها النووية المهددة لأمن واستقرار المنطقة والعالم

•• وثانيهما: تفكك الدولة الإيرانية نفسها وإضعافها للوصول إلى حد الانهيار والتلاشي في وقت من الأوقات..

•• وكما هو واضح.. فإن المصيرين مؤلمان لنا.. كما هما مؤلمان لإيران.. الشعب الذي لا نريد له إلا الخير والانضواء تحت راية الحب والسلام والوئام مع الجميع كشعب مسلم.. يستطيع المساهمة في بناء وتعزيز قدرة هذه الأمة بالاندماج فيها والعمل معها من أجل كل المعاني الخيِّرة التي تدعو إليها عقيدة السلام.. والبناء.. والتسامح.. وكذلك الأمر مؤلم.. لإيران الدولة وليس الثورة.. كما نتمناها.. ونريد لها الخير.. ونحرص على استمرارها كقوة تسعى مع بقية الدول الإسلامية.. إلى التعايش.. والتكافل.. والعمل المشترك.. لما فيه خير الجميع..

قمم المصير المهدد بالانهيار

•• والمملكة العربية السعودية التي انطلقت منها دعوة السلام.. والوئام.. والمحبة.. تقوم اليوم بهذا الدور المسؤول من موقع الأمانة التي وضعت على عاتقها كحاضنة للحرمين الشريفين.. ولمقدسات الأمة العظيمة.. رافعة راية السلام.. وساعية إلى جمع قيادات هذه الأمة على الخير.. ومن أجل الخير للجميع.. وبالتالي فإن القمم الثلاث في مكة المكرمة.. هي رسالة سلام إلى كل العالم.. هدفها إيقاف الحروب.. وجمع الكل على كلمة سواء.. وتجنيب المنطقة والعالم مخاطر وأهوال لا قبل للجميع بها..

•• ونحن هنا في المملكة العربية السعودية.. بكل معاني الخير التي نسعى إلى تكريسها من وراء هذا القمم الثلاث.. نريد وضع أسس جديدة للتعايش والعمل من أجل رخاء الإنسان ليس فقط في البلدان العربية والإسلامية.. وإنما في كل مكان من هذا العالم. بالدعوة إلى قمم عالمية بعد ذلك.

•• وسوف نكون أكثر سعادة حين تفضي هذه القمم الثلاث إلى تبني تحرك واسع باتجاه جميع الأطراف ليس من أجل إيقاف نذر الحرب الوشيكة فحسب وإنما من أجل إقرار سياسات بناءة.. يستبعد فيها العالم كل أسباب ودواعي التدخلات في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.. وتؤدي إلى تفاهمات جديدة لبناء مصالح كبرى مشتركة بين دولنا وشعوبنا.. لا مكان فيها للتهديد.. أو العدوان.. أو الأطماع.. وبالتالي تسخير كافة القدرات والإمكانات لخدمة مصالح شعوبنا.. وتنمية وتطوير بلداننا..

•• وإذا تحققت هذه الأهداف الكبرى التي تسعى المملكة إلى الوصول إليها.. فإن شعوب الأمتين العربية والإسلامية هي أول من سوف ينعم بالخيرات الكثيرة التي أنعم الله بها علينا.. كما ستستفيد من ذلك كل دول وشعوب العالم..

•• ولدينا شعور قوي في هذه البلاد.. بأن هذه القمم الثلاث ستكون بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك والمسؤول.. لأنها قمم تمت الدعوة إليها تحقيقاً لأهداف عليا سامية.. وصولاً إلى قواسم مشتركة عظمى تمهد إن شاء الله.. لمرحلة جديدة من التعاون البناء في ما بيننا.. وتجعل من إيران وغير إيران جزءا من منظومة تنشد الأمان.. والسلام.. والاستقرار.. والتعاون.. والتفاهم.. ووحدة المصالح بين الجميع تطبيقاً لشريعة الله في الأرض.. واستثماراً لقواسم اللغة.. والثقافة.. والمصير المشترك.. لأمة لا خيار لها في البقاء.. والنماء.. والتقدم.. إلا بالعمل من داخل ثوابتها المشتركة.. ووقوف بعضنا مع البعض الآخر.. والاستفادة من معطيات العصر.. ومن مصادر قوتنا الذاتية.

•• ذلك ما نتمنى.. ونرجو..

•• وذلك ما سوف تواصل المملكة العمل على تحقيقه بنوايا صادقة.. وعزيمة لا تتوقف عند حد.. وسوف تسخر علاقاتها.. وكافة إمكاناتها في سبيل عودة الوئام إلى هذه الأمة.. ووضع حد لأسباب الفرقة والاختلاف في ما بينها.. ومع إيران على وجه التحديد.