-A +A
محمد الساعد
في العام 1990 وبعد أيام قليلة من غزو صدام للكويت، وقف نصف العرب باسم الحياد ضد السعودية وفي سلة صدام، كتبوا وهتفوا وتوسطوا من أجله لا من أجلنا، وكله باسم الحياد، لكنهم أبدا لم يدينوا من بادر بالغزو والحرب، كانت كل أمانيهم أن يصفح الضحية عن الغازي ويتصالح المغدور مع الغادر وأن يقبل التسويات باسم السياسة والأخوة، بالطبع هم لم يكونوا أبدا محايدين لكن ذلك كان مبررهم للوقوف مع صدام من وراء ستار، كان ثوبا من دماء يختبئون خلفه بينما هم يشحذون معه السكاكين ويستعدون لاقتسام الغنائم.

بعد ثلاثين عاما تقريبا تبدلت الكراسي وأصبح من كان يتلظى من الحياد يشهر نفس السيف ويقول نفس المبررات، باسم الخوف على «اللُحمة» العربية تارة، وباسم الرشوة والمال الحرام تارة أخرى، وأصبحت المكائد هي لغة التضامن والدفع بالمرتزقة للشتم والمماحكة هي الأخوة.


بالأمس صدام واليوم إيران وبينهما الكثير والكثير من الوجوه الضاحكة والأنياب الباسمة، تمر المنطقة في هذه اللحظات بمنعطفات غاية في الخطورة، فهل ضيع المحايدون في الصيف اللبن كما يقول المثل العربي.

في تلك الحرب وقف نظام البشير السوداني وياسر عرفات الفلسطيني وعلي صالح اليمني والقذافي الليبي والإخواني والبعثي والشيوعي والناصري وغيرهم من عرب الشمال والأمصار مع المحتل، لقد وجدوا في صدام «فارسهم» الذي أتى على حين صبرٍ منهم ليفتك بأهل الخليج الأغنياء ويستولي على ثرواتهم ويشتتهم ويبيد بلادهم «البدوية» ويقتسم معهم آبار نفطهم التي قالوا عنها ذات يوم إنها خرجت في الأرض الخطأ وعند أناس لا يستحقونها.

دعوني أنقل لكم مقالاً للكبير غازي القصيبي -رحمه الله- نشره خلال تصديه لأقلام الإفك التي حاربت السعودية في الصحافة العربية، يلخص حال الحياد والمحايدين في تلك الأيام وهذه الأيام.

كتب القصيبي في زاويته الشهيرة «في عين العاصفة» بصحيفة الشرق الأوسط، مقالا تحت عنوان «المحايدون» هذا نصه:

قد يكون الحياد أعنف أنواع التدخل وأخطرها وأقل المواقف أخلاقية وأكثرها انتهازية، كيف..

عندما تشهد ماردا يقتل طفلا صغيرا وتعلن أنك على الحياد، فإنك قررت بإعلانك هذا أن تقف مع المارد ضد الطفل.

عندما تشهد إنسانا يحمل «تنكة» كيروسين «وعود ثقاب ويتجه إلى مسجد ليحرقه وتعلن أنك على الحياد، فإنك قررت بإعلانك هذا أن تقف مع مرتكب الجريمة ضد المسجد».

وعندما تشهد في ظلام الليل فتاة صغيرة تتعرض لمحاولة اغتصاب فقد قررت بإعلانك هذا أن تشترك في جريمة الاغتصاب وتتلذذ بها.

الحياد فضيلة عندما تكون المعركة بين شر وشر، ولكنه رذيلة عندما تكون المعركة بين حق وباطل.

الحياد ذكاء عندما يكون الصراع بين ظالم وظالم، ولكنه حمق عندما يكون الصراع بين ظالم ومظلوم.

الحياد شجاعة عندما يكون النزال بين عملاق وعملاق، لكنه نذالة عندما يكون النزال بين عملاق وطفل رضيع.

الحياد حكمة عندما يعتقد المحايد أن الحياد سيضمن له البقاء، ولكنه خرق عندما تكون نتيجته إطالة عمر المحايد يوما أو يومين فحسب.

أيها المحايدون..

يرى الجبناء أن العجز عقل..

وتلك خديعة الطبع اللئيم..

رحم الله أبا الطيب.

«انتهى نص القصيبي، ولم تنته الحروب ولا المقامرون ولا المحايدون، طهران تقصف مكة والطائف وجدة ونجران وأبها بيد الحوثيين، ومازال المحايدون هم نفس المحايدين بنفس الفحيح يلبسون القفازات ويخفون الخناجر، اختلفت الوجوه وبقيت الألسن تهطل كذبا وجورا، يتمنون أن تنجح الصواريخ وتخفق الرياض».

* كاتب سعودي

massaaed@

m.assaaed@gmail.com