-A +A
أنمار مطاوع
لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة تصنيف لطيف لدول العالم وفقاً لما تحققه كل دولة من توفير تعليمي لكافة طبقات مجتمعها.. كلما توفر التعليم لشرائح أكثر، ارتفع تصنيف الدولة.

ما تخصصه الدولة من ميزانية وما تصرفه على تعليمها له دلالة واضحة على اهتمامها بمستقبلها ومستقبل مواطنيها. كل التغييرات التي تحدث في عمق الفكر الاجتماعي تأتي من نتائج التعليم: مستواه.. نوعيته.. معاييره. فالتعليم هو المكوِّن الأساس لطريقة التفكير المنطقي.. والتصرف في السلوكيات الحياتية.. بهدف رفع ملكة العقل وتغليبه على الغرائز. حتى العاطفة، التي تأتي على هيئة القرارات الأخلاقية السريعة تكون خاضعة لذلك المكوِّن التعليمي الأساس.


يجادل بعض المتخصصين بأن التعليم مهمته تجهيز أجيال جديدة لتغطية حركة سوق العمل؛ سواء كانت الدولة صناعية أو استهلاكية. وفي الجانب الآخر، يرى البعض أن التعليم يتجاوز مفهوم سوق العمل التطبيقي الميداني -وإن كان جزء منه-.. ويتجاوز حدود المهمة الواحدة التي تركز فقط على تجهيز كوادر تقوم بأعمال روتينية في سوق العمل.. تلك بالنسبة له حدود بدائية لابد من تجاوزها للوصول إلى مستويات بناء التفكير النقدي، ونمو الشخصية، والذكاء العقلي المستدام.

في معظم دول العالم، تركت معايير الليبرالية الجديدة أو النيوليبرالية آثاراً أحفورية على التعليم. النيوليبرالية مصطلح يعني تبني الدولة لسياسات اقتصادية تزيد من دور القطاع الخاص فيها.. مما يرفع من كفاءة الحكومة ويرفع أيضاً من درجة التحسن الاقتصادي إلى أعلى مستوياته. بالتالي، يتحول التعليم إلى النمط الاقتصادي، أي تخريج كوادر قادرة على خدمة سوق العمل -الاقتصاد-.

كل هذه الجدليات لها حججها وبراهينها.. وكل منها أيضاً له طبيعته الثقافية والاجتماعية. لكن، عندما يتم تبني الجانب الاقتصادي فقط في التعليم، تتساقط القيم ويفقد التعليم أهدافه الأساسية.. حتى المعلمون والمعلمات لن يتمكنوا من مجاراة الحال.. ويتم توبيخهم في النهاية.

ليس من المقبول أن يتم تبني جانب على حساب آخر.

الحركة العالمية لإصلاح التعليم وصلت إلى حدود ترضي كلا الطرفين حين قدمت رؤية ناعمة لا تلغي دور الاقتصاديين والمستثمرين في التعليم، ولكنها في الوقت نفسه تعزز دور المعلمين والتربويين في عمليات إصلاح التعليم. بمعنى أن الهدف الأسمى للتعليم يجب أن يكون إنسانياً.. بكافة ما يحمله المصطلح من قيم.. ثم بعد ذلك يأتي دور الاقتصاد.

مستقبل الإنسانية يحتاج إلى تلك الرؤية الناعمة لإصلاح الانحراف العالمي عن مسار القيم والأخلاق والمبادئ.

* كاتب سعودي

anmar20@yahoo.com