-A +A
علي بن محمد الرباعي
آثرت الصحوة أن تبني أفئدة عمياء، وتتبنى أتباعاً غلاظاً شداداً، لا يعصون المرشد بما يأمرهم وينفذون حرفياً ما يؤمرون به، ولم يكن مستبعداً أن لا يستوعب حوار الليوان كل ما ودّ السجين علي الفقعسي قوله بحكم عامل الوقت ومكان الحوار وشخصية المحاور.

قال الفقعسي لم أستعمل عقلي عدا في الدفاع عن مشروع القاعدة. ولكنه لم يذكر أن ذراعي القاعدة (الإخوان، السرورية) كانا يحاربان بضراوة أي إعمال للعقل يضل عن تعليمات التنظيم، ويتصديان للتوجه نحو الثقافة من خلال القراءات الحُرة في فنون المعرفة، ليقينهم أن القارئ الواعي سيتوصل بقراءته لما يقوّض مشروع (دولة الخلافة) منذ ابتكرها الحزبيون وتنادوا على إحيائها مصبحين.


الصحويون حريصون على إماتة العاطفة الفطرية وإحياء مشاعر خاصة بالانتماء، فلا بد أن يكون المنتمي شرساً حقوداً عابس الوجه مكشّراً ولا يسمح لرياح عاطفة أن تهب على قلبه مع التغاضي عن نفحات خفية للتمتع بما تيسر من شهوات النساء والبنين والخيل المسومة والأنعام والحرث.

أذكر أنني قدمتُ في المركز الصيفي بمعهد الباحة العلمي أمسية شعرية عام 1413هـ، وكان الشاعر من رموز المرحلة، وألقى قصيدة رثائية في أبيه المتوفى، فلم أتمالك نفسي وبكيتُ أثناء إلقائه النص تأثراً بفقدي لأبي، وبانتهاء الأمسية لقيت عتاباً حاداً من عرّاب الصحوة في منطقتنا، وعلّق «تبكي وأنت تحمل هموم أمة».

ولم يكتف الصحويون بتعقب عواطفك الجياشة لبترها وتحويلك لأداة موجهة يسهل التحكم بك من قُرب وعن بُعد. إذ يخشون رقائق جماعات التبليغ، ومجالس ذكر الصوفية، وعندما ألقيتُ خطبة جمعة تناولت فيها حسن خلق الرئيس الأفغاني صبغة الله مجددي الذي قال لرفاق السلاح عند توليه «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، لم أكد أصل إلى البيت حتى جاء من يحذرني من امتداح الصوفية المنحرفة من فوق منبر مقدس.

بل ولا زلتُ أذكر أن أحدهم اقترح أن أعرض عليه الخطبة قبل إلقائها تفادياً لما يمكن أن أقع فيه من مخالفة منهج القيادة. وعاتبني بعضهم عندما كتبت مقالة عن الروائي عبدالعزيز مشري رحمه الله، وقال «أتسوّق للحداثة والفسقة في مجتمع إسلامي محافظ؟».

كل ما سبق يؤكد أن الصحوة مؤذية للنفس، وأذيتها تتمثل في تعقب الناس، وفرض الوصاية عليهم، مع الرفض القاطع لظاهر قوله تعالى (عليكم أنفسكم). ولعل هذا بعض مما لم يسنح الوقت للأخ الفقعسي ليقوله أو أنه قاله وما بلغني.