-A +A
هاني الظاهري
عدد كبير من التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية دولية خلال العامين الماضيين اعتبر أن أكبر سجن للصحفيين على سطح الكرة الأرضية اليوم هو دولة تركيا التي حولها حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى جحيم حقيقي وغير مسبوق للحريات وحقوق الإنسان، وأقام فيها «هولوكوست» للإعلام والإعلاميين بشكل لا يمكن أن يخطر على بال حتى الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر لو قُدّر له أن يعود إلى الحياة.

أرقام مفزعة بحق حملها تقرير أطلعت عليه أخيراً من إعداد مركز نسمات للدراسات بالتعاون مع صحيفة «زمان» التركية.. أرقام تجعل من إطلاق وصف «هولوكوست» على ما تفعله حكومة أردوغان بالإعلام والإعلاميين أمرا أضعف من أن يعبر بشكل دقيق عن فظاعة ما يحدث على أرض الواقع، فمن يصدق أنه وخلال عام واحد فقط قامت السلطات التركية بإغلاق 189 وسيلة إعلامية مختلفة منها: 5 وكالات أنباء، 62 جريدة، 19 مجلة، 14 راديو، 29 قناة تلفزيونية، 29 دارا للنشر، هذا فضلاً عن اعتقال 319 صحفياً بتهمة الإرهاب، وإصدار مذكرات اعتقال لأكثر من 140 صحفياً خارج تركيا، ومحاكمة 839 صحفياً بسبب مواد نشروها، هذا بخلاف حجب 127 ألف موقع إلكتروني، و94 ألف مدونة على شبكة الإنترنت منها موقع «ويكيبيديا» الموسوعي العالمي، وقد أوضح التقرير أن المعتقلين من الصحفيين في السجون التركية يتعرضون لصنوف متعددة من التنكيل والإساءة والتعذيب والانتهاك البدني والنفسي والتحرش الجنسي ومنهم صحفية تُدعى «عائشة نور باريلداك» استطاعت أن تُسرب رسالة منها إلى خارج السجن كتبت فيها: «لقد تعرضت للضرب والتعذيب، والتحرش الجنسي، وتم التحقيق معي لمدة ثمانية أيام متواصلة على مدار الساعة، المحققون كانوا سُكارى، أخاف أن أُنْسَى داخل الحبس».


وسابقاً قال تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين الأمريكية إن نحو ثلث الصحفيين المسجونين في العالم يقبعون في السجون التركية ويعانون من التعذيب وانتهاك الحقوق، وهو ذات الشيء الذي أكدته منظمة العفو الدولية في تقرير أشارت من خلاله إلى أن الحكومة التركية أصبحت أكبر سجّاني العالم للصحفيين، حيث وصلت الأحكام الصادرة بحق بعضهم إلى السجن المؤبد، لا لشيء إلا لأنهم يقومون بعملهم.

ومع كل هذا ما زالت الحكومة التركية تتشدق كل يوم بشعارات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ويتخذ الحزب الحاكم فيها من مصطلح «العدالة» مسمى له، وهذه في الحقيقة ليست سوى كوميديا سوداء، فلا يوجد دولة في العالم غير تركيا تُخرج المجرمين من سجونها ليصوتوا لمرشحي الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية وتدخل بدلاً منهم الصحفيين إلى الزنازين المظلمة التي تضم نحو 560 طفلاً رضيعاً بسبب اعتقال أمهاتهم، وهو ما يؤكد أن الشيء الوحيد الذي نجح فيه النظام الأردوغاني وتفوق من خلاله على جميع الدكتاتوريات في العالم هو قدرته على صناعة جهنم على الأرض للآلاف من الأبرياء.

أيضاً هناك رقم قياسي عالمي مهم حققه نظام أردوغان لا يمكن إغفاله وهو تسجيل أكبر نسبة انتحار للمساجين في العالم، إذ انتحر 43 شخصاً في السجون التركية خلال عام واحد، والانتحار هنا بحسب المعارضين الأتراك ليس سوى اسم مستعار لعمليات القتل خارج القانون وفق الطريقة التركية.

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com