-A +A
عبدالله صادق دحلان
إن كل تطوير يحتاج إلى التغيير، وإن كل تغيير للأفضل يتطلب التضحية، وإن التطوير الذي تعيشه المملكة العربية السعودية يحتاج من الجميع التكاتف وتحمل المسؤولية، وقد يكون التطوير أحيانا إصلاحا لبعض النظم والقوانين واللوائح التي تستهدف تحقيق أهداف الرؤية المستقبلية، وعليه فإن بعض الظواهر التي يراها البعض أنها سلبية من وجهة نظرهم تجاه الاقتصاد فهي في الحقيقة نتائج الإصلاح لهيكلة اقتصاد اعتمد لفترة طويلة على ما أسميه فوضى القرارات الاقتصادية للقطاع الخاص، والتي يدخل في إطارها ظواهر عديدة منها التستر ومنها الغش التجاري ومنها المؤسسات الوهمية والشركات التي بنيت على أسس غير سليمة وشركات المرابحة والمضاربة في العقارات والأسهم وبعض الصناديق التي أنشئت بعيدة عن رقابة الأجهزة المعنية لمتابعتها ومراقبتها، والحقيقة كان القطاع الخاص يعمل وسط فوضى كبيرة بعيدة عن عين الرقيب لفترة طويلة فسيطر على سوق التجزئة العمالة الأجنبية وأصبحت قوتهم تسيطر على حركة الأسعار في الأسواق، بالإضافة إلى حرمان العمالة السعودية أو المبادرين من شباب الأعمال إلى دخول هذه الأسواق والمنافسة فيها، يضاف إليها خسارة السوق للبلايين المهاجرة من أعمال العمالة الأجنبية العاملة في أعمال تجارية غير نظامية، وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفع الأجهزة المعنية لمحاربة هذه الظاهرة وتطبيق الأنظمة والقوانين دفاعا عن العمالة السعودية وأصحاب الأعمال الصغار من السعوديين، وهذه هي إجابتي على بعض الأصوات التي تروج إشاعات إفلاس أصحاب المحلات التجارية الصغيرة وسط وجنوب مدينة جدة وغيرها من المواقع والمدن التي كتب على هذه المحلات للبيع والتقبيل حتى وإن تعددت هذه المظاهر لكنها في الحقيقة تصحيح لوضع تجارة مخالفة لقوانين العمل أو نظم التجارة وشروط الجودة والنوعية.

وفي وجهة نظري الشخصية أن مدن المملكة وعلى وجه الخصوص المدن الكبيرة تعيش حالة من فوضى الاستثمار التجاري رغم إيماني بحرية التجارة وحرية القرار الاستثماري لرجال الأعمال، لكن الاستثمار التجاري بدون دراسات اقتصادية للسوق، وبدون توجيه الأمانات لمناطق ونوعية الاستثمار وحاجة كل مدينة، وبدون توجيه وزارة الاستثمار يصبح الاستثمار هدرا للمال حتى وإن كان مالا خاصا، وكنت ولا زلت أطالب بضرورة إعداد دراسات لكل مدينة لمعرفة احتياجات المدينة من الخدمات والمراكز التجارية وغيرها، ولا يعقل أن يكون في مدينة جدة هذا الكم من الصيدليات والمقاهي والدكاكين ومراكز الخياطة ومراكز بيع الجوالات وإصلاحها ومراكز بيع الأدوات الصحية وأدوات البناء وغيرها من عشرات الآلاف من المحلات التجارية المتكررة، بالإضافة إلى الحجم الضخم من المراكز التجارية وجميعها أنشئت لتنافس بعضها مع تشابه مراكز البيع فيها، والحقيقة لا أعلم كيف تم تمويل هذه المراكز التجارية وعلى أي دراسة سوق تم اعتمادها، كما أنني أتساءل هل بإمكان الأمانات أن تقوم بدراسات احتياج السوق وتحديد احتياجات المدينة من هذه المحلات والمراكز التجارية ولا سيما أنها هي التي تمنح التصاريح لهم، كما هي التي تحدد سنويا مناطق ونوع الاستثمار المطلوب مستقبلا للمدينة حسب النمو السكاني؟، أم هي مسؤولية الغرف التجارية الصناعية لإعداد هذه الدراسات عن مناطق الاستثمار في كل مدينة واحتياجات المدينة سنويا لأنواع الاستثمار؟.


لقد تشبع سوق جدة بالمراكز التجارية والمحلات التجارية المتشابهة وتكررت نفس الخدمات والمحلات وارتفعت نسب الإفلاس والإغلاق، وأرى أنه من الضروري مساعدة المستثمرين بالمشورة حتى لا تفشل مشاريعهم ويخسر اقتصادنا أموالا أهدرت لجهل أصحابها.

أما ملاحظتي الثانية وهي توقف بعض المشاريع التنموية الكبيرة والمستثمر فيها البلايين داخل مدينة جدة إما بسبب خلاف الشركاء أو أسباب أخرى كان بالإمكان تدارك الأمر دون توقفها لأنها خسارة على الاقتصاد الوطني، وفي وجهة نظري أن المشاريع التنموية الكبيرة وإن كان يملكها أفراد أو شركات إلا أنها أنشئت لخدمة المجتمع وهي بخدماتها ملك للمجتمع ولا يقبل أن يوقف المساهمون مشاريع تنموية لخلاف بينهم، وأخص في هذا المشاريع الصحية والتعليمية والتطوير العمراني حتى وإن كانت هناك مطالبات على الشركات المالكة فبالإمكان معالجة المطالبات والخلافات خارج نطاق تشغيلها وبما لا يؤدي إلى وقف خدماتها، وهذه في وجهة نظري مسؤولية وزارة الاستثمار وأتمنى أن يكون لها دور في إنقاذ المشاريع المتعثرة أو المشاريع التي بها خلافات بين الشركاء قد يؤدي إلى وقفها وحرمان المجتمع من خدماتها.

* كاتب اقتصادي سعودي